جفرا نيوز -
تعتبر حادثة انفجار مفاعل تشرنوبل النووى أكبر حادثة نووية شهدها العالم فى التاريخ، حيث وقع الانفجار فى يوم 26 أبريل عام 1986، فى من أبشع الحوادث المدمرة فى تاريخها منذ الأزل تمثلت فى انفجار مفاعل تشيرنوبل بمدينة تشرنوبل الأوكرانية حينما كانت أوكرانيا تابعة للاتحاد السوفيتى.
وبعد الانفجار شهدت أوكرانيا والدول المجاورة سحب كثيفة بما يوازى 8 أطنان من الوقود النووى، ارتفعت إلى السماء، ناجمة ومدفوعة بألسنة لهب حريق ضخم، ومرفوقة بمواد خطيرة، أفضت إلى حصيلة مرعبة لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
وتعود بداية القصة حينما كان نحو مائتى عامل وموظف فى مفاعل الطاقة النووى "تشيرنوبل” بمدينة كييف الأوكرانية، وكانوا يعملون يومها على اختبارات فى 3 وحدات بالمحطة، مضت الأمور على ما يرام إلى حين ارتفاع مفاجئ بلغ 4 آلاف درجة مئوية، لدرجة الحرارة نجم عن توقف قلب دائرة التبريد الخاصة بالمفاعل الرابع، ما أدى إلى انصهار لب المفاعل قبل أن ينفجر.
بعد ثوان تتالت الانفجارات المدوية، وتطايرت معها حمم الجرافيت فى السماء، فخلفت دمارا لم تفلت منه حتى أشد البناءات الخرسانية صلابة، وأدت قوة الانفجارات لنسف المفاعل بشكل كامل، حاملا معه أطنانا من حمم الوقود النووي، واستمر الحريق لمدة 10 أيام، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل تسربت فى الأثناء مواد خطيرة جدا من اليورانيوم والبلوتونيوم والسيزيوم واليود، شكلت سحابة قاتلة من الإشعاعات النووية التى تجاوزت حدود مدينة تشيرنوبل لتمتد إلى مدن أخرى مثل أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا وألمانيا والسويد أوكرانيا.
وأبت الكارثة التوقف عند ذلك الحد، حيث صادف فى تلك الفترة هبوب رياح ساعدت فى حمل سحابة الإشعاعات القاتلة إلى العديد من البلدان الإسكندنافية، وإلى بلدان أخرى بينها اليونان وتركيا، ولم تقتصر الحصيلة المريعة للكارثة على عدد القتلى بالحادث نفسه، وإنما أثرت على مئات الأشخاص من عمال الطوارئ الذين خاطروا بحياتهم لمحاولة إخماد الحريق، فيما جرى إجلاء الآلاف من منازلهم بالمناطق المحيطة بالموقع، وأصيب آلاف الأطفال لاحقا بأمراض السرطان المختلفة.
كما لقى 36 شخصا مصرعهم جراء الإشعاعات القاتلة، كان معظمهم من موظفى المحطة ورجال الإطفاء، لكن الحصيلة الحقيقية لم تقتصر على هذا الرقم، بالنظر إلى قدرة الإشعاعات على التمطط فى الهواء والبقاء لسنوات طويلة حصدت الآلاف من الأرواح، وفى السنوات التى أعقبت الكارثة، قدرت الوفيات الناجمة عن الإشعاعات بما بين 7 آلاف إلى 10 آلاف شخص، كما اختفت قرى بأكملها من الخريطة الجغرافية، عقب إجلاء سكان 85 قرية من جمهورية بيلاروسيا، و4 من أوكرانيا، و31 من روسيا.
وبحكم المعطى الجغرافى، كان من البديهى أن تستأثر أوكرانيا بنصيب الأسد فى ارتدادات الكارثة، حيث أصيب عدد كبير من السكان، وخصوصا الأطفال بسرطان الغدة الدرقية والفم، وقدرت منظمات العدد بـ3.4 مليون شخص، كما يعانى عدد كبير من الأشخاص من مرض يسمى "مرض الإشعاع”، جراء التعرض للإشعاعات النووية القاتلة، ومن أعراضه حدوث تسلخات جلدية وسقوط للشعر وتغير فى ملامح الوجه، علاوة على إصابة آخرين بخلل فى الجينات الوراثية.
حصيلة كارثية تضاف إليها آثار اجتماعية وخيمة، تجلت من خلال خلل كبير أصاب التركيبة النفسية لمعظم سكان المناطق التى طالتها الكارثة، وخلفت أمراضا نفسية، كما تأثرت التربة والنباتات أيضا بالكارثة إلى حد كبير، حيث أصبحت هكتارات من الأراضى المجاورة للمفاعل فى أوكرانيا وبيلاروسيا غير صالحة للزراعة جراء الإشعاعات.
ووفقًا للأمم المتحدة، أدت الكارثة إلى تعرض نحو 8.4 مليون شخص فى أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفيتي، أو ما يسمى الآن ببيلاروس وأوكرانيا والاتحاد الروسي، للإشعاع، وآثار أخرى مدمرة جعلت المنظمة الدولية تعتمد، فى 1990، القرار 190/45، دعت فيه إلى "التعاون الدولى فى معالجة الآثار الناجمة عن حادثة محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية وتخفيفها”، وبناء على ذلك، جرى إنشاء فرقة عمل مشتركة بين الوكالات لتنسيق التعاون بشأن الكارثة، حيث أنشأت الأمم المتحدة، الصندوق الاستئمانى لتشيرنوبيل، يعمل حاليا تحت إدارة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
ومنذ عام 1986، دشنت المؤسسات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الرئيسية ما يزيد على 230 مشروعا من مشاريع البحوث والمساعدة فى مجالات الصحة والسلامة النووية وإعادة التأهيل والبيئة وإنتاج الأغذية النظيفة والمعلومات، لكن العام 2002 شكل منعطفا بالاستراتيجية الأممية بشأن الكارثة، حيث ركزت سياستها على نهج إنمائى طويل الأجل، وأخذ برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومكاتبه الإقليمية فى البلدان الثلاثة المتضررة زمام المبادرة فى تنفيذ الاستراتيجية الجديدة، وفق ما ورد بموقع المنظمة الدولية.
وفى 26 أبريل فى الذكرى السنوية للواقعة وبالتحديد عام 2017 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء 26 أبريل يوم لإحياء ذكرى الكارثة وذلك من أجل زيادة الوعى بالآثار الطويلة الأجل لـ "تشيرنوبيل”.
وكالات