النسخة الكاملة

قارئ التوق أنا

الثلاثاء-2024-06-11 11:01 am
جفرا نيوز -
رمزي الغزوي

يرى النور في هذا اليوم إصداري الجديد « بعدٌ خامس/ نغمات مستلة من سمفونية الأرض»، في حفل إشهار وتوقيع في المتحف الوطني للفنون الجميلة. وهذا هو كتابي الرابع والعشرون في مسيرة امتدت لربع قرن. ولكنه ليس كتاباً. بل هو حفلة لونية منحتها لي أمي الأرض.

استعرت مصطلح «بعد خامس» من عمتي الفيزياء كما أسمّيها، وهي تخصُّصي الأكاديمي الأول قبل جنوحي إلى ضفاف الإعلام الحديث والصحافة والأكاديميا، ويشير إلى الزمن التخيلي الذي يمكنه التحرك في كل الجهات، عكس الزمن الواقعي السائر مستقيما من الحاضر إلى المستقبل، إعلاء مني لثمة الخيال إذ أراه موازياً للمعرفة، إن لم يكن أهم منها، فيتذوق حياتنا واقتناص ألوانها.

في تجربتي أستل بعين القلب نغماتٍ من سمفونية الأرض؛ لتُقرأ كما يريدها الرائي بعينه وخياله. من خلال عدسة كاميرا هاتفي النقال أرى الزهرة الغافية في صخرة، والحجر المنحدر من شجرة، والغيمة السادرة مع نبعة، والجمرة الذارفة دمعة، كلها اراها أغنياتٍ تخصّب حياتنا، وتعددها وتجعلنا أقرب للوقوع في حبها أو حبنا.

وهنا أستكمل مشروعي «ثقافة الزهرة» الذي أراه يوشّي حياتي، ويمنحها المعاني التي أردتها حين اشتبكت بكامل قلبي مع أمي الأرض منذ أكثر من عقد، فكان «كيس الراعي» موسوعة حاولت أن ألفت بها مخيلة الناس وقلوبهم إلى الطبيعة وسحرها وقدرتها على دفقة الطاقة فينا.

في بعد خامس أو في هذا الألبوم أو الحفلة اللونية اقتنصت بنظرة يحركها دفق القلب صوراً من الأزهار والأشجار والحجارة والماء والنار وعموم مفردات الأرض؛ علني اسهم ولو بشيء يسير في تخصيب ذائقة جمالية توسّع مساحة حياتنا وتعمقها لنكون قادرين على تلقي نغمات السمفونية هذه، ونغدو قادرين على حماية صاحبتها منا.

ستجد وجهاً باسماً على ساق شجرة لزاب، أو تتحسس شجرة نائمة على جذع صخرة أو في ورق ماء الوادي، أو ستقرأ واحة صغيرة تبثها جمرة تخبو على تخوم الرماد. أو لربما تجد أنك تستطيع اقتراح نغمات أكثر رحابة تستلها بقلبك وخيالك من مفردات اعتدنا ألا نراها وهي معنا.

يشترك عالمنا في أبعاد ثلاث، الطول والعرض والارتفاع، ويغمرها الزمن كبعد أزلي رابع، فيما تصير روح المتلقي بعدا خامسا يضفي الفرادة على كل لقطة أو صورة أو كلمة أو نغمة أو ضربة لون خالدة.

ولهذا ما زلت أقول: قارئ التوق أنا، أتلمس وجهاً يتفلت من صخر الجواب، ويفيض دحنوناً في ظمأ الموانئ، فيهطل قرارا للثغة المقامات. نحلةٌ تمرغت في شهوة الرحيق، قصيدة يحرقها نبض الماء، صهدة شمس تذبل مع حنين القبرات. أنا خصلة عنبٍ آلت خمرا، نهارٌ يعتلي أسنمة الوجع، ويعاقر أنغاماً بمآقي الليل، ويخصِّبُ ألواناً تتلوها سيمفونية الحياة.