النسخة الكاملة

الحراك لتشكيل القوائم المحلية .. بين البروباغندا والاستعصاء ومايجب أن يكون.

السبت-2024-06-08 11:08 pm
جفرا نيوز -
كتب:فادي العمرو
كما في كل فترة مماثلة تشهد فترة مابعد إعلان موعد الانتخابات وماقبل فتح باب الترشيح رسمياً سيلاً من التوقعات والقراءات، بعضها لغاية الاستقراء والغوص في المآلات المحتملة ، وبعضها في إطار محاولات خلط الأرراق والمناورة خدمةً لقائمة او مرشح قوي أو ابتزاز آخر ، وغالبيتها تسعى وراء جس النبض أو المناورة والتشتيت وبث (البروباغندا) التي تمنح البعض أوزاناً غير مستحقة على ألسن الناس وتصادر من آخرين حقهم في تسويق أنفسهم دون تدخل أو محاصرة.
الغريب في حالتنا هذه أن أكثر ماينتشر هذه الأيام هو الإشاعات وأحياناً القراءات غير المبنية على دلائل او قراءات دقيقة، والأسوأ هو غياب التغطية السليمة للتبدلات المفترضة على مخرجات العملية الانتخابية في بعض الدوائر ، إن لم نقل معظمها، بحكم القانون الجديد بكل تفاصيله وتعبيراته المستجدة ، وغياب أي دعوة أو حتى مبرر لدعوات للمقاطعة ، و التغير الحتمي في مزاج الناخب وآلية حكمه على المشهد برمته ، بدءاً بقرار الاقتراع من عدمه، وصولاً إلى اختيار المرشح او القائمة التي سيمنحها صوته ، مروراً بكل مايمكن أن يخطر على البال من تفاعل أو تأثير وتأثر أو اشتراك في المشهد التحضيري بتفاصيله المتعددة.
ولعل أكثر ما يغيب عن البال الغوص في أمرين؛ النظرة المجتمعية تجاه المرشحين والتي باتت تتأثر بالنظرة تجاه القائمة ، فضلاً طبعاً عن معايير الحكم التقليدية المعتادة التي يستند إليها الفرد والكتل الاجتماعية والآيلة بيسر ملموس للتغير تأثراً بالأدوات التي يستخدمها المرشحون ، شرعيةً كانت أم مخالفة لكل ما يجوز . ثم يغيب التركيز على مفاعيل القانون الجديد لجهة تأثيره على قدرة المرشح ، أي مرشح، على تشكيل قائمة منسجمة تلبي طموحه وتوفر له الفرصة الوازنة للظفر بالمقعد النيابي.
وفي قراءة عابرة على واقع الدوائر المحلية في العاصمة عمان مثلاً ، نجد استعصاءً لا بأس به لجهة قدرة المرشحين ، حتى الوازنين منهم، على تشكيل قائمة تضمن تجربة انتخابية مبشّرة ، سيما مع اتساع جغرافيا الدوائر ، التي تقلصت الى 3 بدلاً من 5، وما عناه ذلك من زيادة في عدد الناخبين ، وسط تقليص لعدد المقاعد نزولاً من جهة عند رغبةٍ إصلاحية عنوانها تعزيز دور الأحزاب بحيث بلغت حصة الدائرة العامة نحو 30‎%‎ من مقاعد المجلس القادم العشرين بواقع 41 مقعداً ، ومن جهة أخرى بما يتناسب مع الحغرافيا وعدد السكان وواقع التنمية ، فضلاً طبعاً عن منح المرأة كوتا غير مسبوقة مقدارها 18 مقعداً بواقع مقعد عن كل دائرة، إلى جوانب أحكام أخرى في القانون تجعل فرص حصولها على عدد سيفوق ذلك بنحو النصف أمراً غير متعسر ، وضمن رؤية إصلاحيةٍ محمودةٍ أيضاً.
قد تكون أبرز تجليات استعصاء تشكيل القوائم مايتردد على لسان بعض النخب والمرشحين المفترضين من ذوي الفرص الوازنة، سيما والقانون الجديد والتجربتين الأخيرتين قد فاقمت من أزمة الباحثين عن دور محدود الوزن لكنه مؤثر "مادون الحصول على مقعد"، والذين يطلق مجتمعنا عليهم مصطلح (الحشوات) ، هؤلاء أكثر من يعيش أزمة هذه المرة ، فلا هم قادرون على التغيير الذي يعطيهم وزناً كالسابق مابعد تبدّل واقع الدوائر ، ولا باتوا مقنعين أصلاً لجمهورهم الاجتماعي او العشائري الذي كانوا يستندون عليه لضمان "الرزقة"، ولا المرشحون "الكبار" قادرون على الاكتفاء بهؤلاء لبلوغ نسبة الحسم "العتبة" وبالتالي حصد مقعدهم بقليلٍ من الجهد ولو بكثيرٍ من المال أحياناً.
في هذه النسخة المختلفة المهمة من الانتخابات ، وهذا برسم الباحثين والمرشحين الوازنين، يجب أن تغيب هذه الظاهرة ، وإلى الأبد . ليس فقط لتراجع جدواها ، في الدوئر الكبرى بالذات، بل ولشدة ما أفسدت وشوّهت من صور المشهد الديمقراطي الذي نريده ونحتاجه ان يكون ناصعاً يلبي مخاطر الواقع وآمال الناس واحتياجاتهم وحقوقهم ، والرغبة الرسمية بالإصلاح.
في هذه الانتخابات التي تشهد ارهاصاتها الحالية استعصاءات ومناورات لابديل عن خطاب وطني متكامل ملزم، سيما بوجود قوائم حزبية ستطرح برامج وقضايا وعناوين يفترض ونتمنى أن تطوّر في مزاج وخيارات الناخب الأردني ، أو أن يؤمن "أصحاب الفرص والوزن الحقيقي" بأن مفردات الواقع وقواعد اللعبة الانتخابية آخذةٌ في التبدّل ؛ فيغادر الجميع منطق "قائمة فلان" نحو تشكيل قوائم مقنعة تضم أسماءً وازنة تخلق تنافساً كبيراً نعم ، لكنه منضبط بمفاهيم جديدة من التنافس الحر المبني على البرامج وتقديم الحلول وخدمة الوطن والمواطن … مفاهيم هي ، وهي فقط مانحتاجه ونريده ونستحقه في ظل أرضية غير مسبوقة لتحقيق نقلة نوعية إيجابية عميقة على مستوى الحياة البرلمانية والسياسية ، وتلقائياً على مستوى مصلحة البلاد والعباد.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير