جفرا نيوز -
د. ماجد الخواجا
نكسة حزيران، نكسة يونيو 67، حرب الأيام الستة، حرب، كلها تعبّر عما حدث في مثل هذا الوقت قبل 57 عاماً، عندما شنت دولة الكيان الصهيوني الهجين حرباً طالت الأردن في الضفة الغربية ومصر في سيناء وسوريا في هضبة الجولان، حرب لم تأخذ سوى أياماً معدودة لكنها كانت كافية لاحتلال واغتصاب أراضي ومساحات أكبر بكثير مما كانت تحتله دولة الكيان منذ عام النكبة 1948.
ربما نختزل ما جرى في تلك الأيام الأليمة بجملة « هزيمة بلا حرب» رغم المحاولات العربية للحفاظ على الأرض وعدم احتلالها، إلا أن الاستعدادات والتجهيزات والدعم المباشر والسخي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ساهمت كلها في تحقيق الهزيمة المرّة التي ما زلنا ندفع ثمنها ونجتر وجعها وننتظر من يعيدها لأصحابها الشرعيين. فجاءت حينها « لاءات الخرطوم الثلاث» لا صلح لا مفاوضات لا اعتراف، والتي عرفت بلاءات الخرطوم، إلا أنها في عام 2023 عندما صرح إيلي كوهين وزير الخارجية الصهيوني بعد زيارته للخرطوم يوم الخميس 2 شباط 2023، بأن لاءات الخرطوم الثلاث تحولت إلى « نعم» مع إقامة العلاقات بين السودان والكيان.
ولا ننسى تلك اللحظات العصيبة التي عاشتها عمان ودمشق والقاهرة وبيروت وحتى بغداد والجزائر وطرابلس والخرطوم والرياض، خاصةً عندما قام جمال عبد الناصر بالإعلان عن تنحيه من رئاسة مصر بسبب النكسة / الهزيمة، ليخرج الملايين في شوارع القاهرة وعديد من العواصم العربية تنادي برفض تنحي عبد الناصر، لتبدأ ما سميت « حرب الاستنزاف» التي انتهت فعلياً مع حرب رمضان / حرب أكتوبر 1973، ونذكر تصريح محمد أنور السادات عندما قال بأنها حرب « تحريك» لا حرب « تحرير».
نكسة هي بالفعل هزيمة ساحقة مريرة موجعة، خسر العرب فيها عسكرياً وسياسياً وجغرافياً، ما جعل موشيه دايان وغولدا مائير ينتشيان بما حققاه من اكتساح واحتلال للأرض العربية.
لا زلنا نذكر أحد الزعماء عندما خرج بتصريحٍ قال فيه: إن العدو كان يسعى لتدمير الحزب ورئيسه، وما دام الحزب باقياً ورئيسه، فنحن قد انتصرنا ولم نهزم.
لا زلنا نذكر ذاك المذيع « أحمد سعيد» الذي اشتهرت عنه عديد من الأقوال وفي مقدمتها « تجوّع يا سمك» لأن الجيوش العربية سترمي بالصهاينة إلى البحر ليصبحوا طعاماً للأسماك.
كانت نكسة حزيران محملة بالضحايا من جيل الشباب العربي آنذاك الذين كانوا ينتظرون تحرير فلسطين وأراضيها المحتلة منذ عام 1948، لتأتي النكسة كضربةٍ قصمت ظهور المثقفين والإعلاميين والشعراء، وأصبحوا يحملون لقب « جيل النكسة» وهو جيل عاش الحزن واليأس والوجع.
ويعد نزار قباني (1923 - 1998) الشاعر الأول عربيا الذي صاغ أسباب نكسة الخامس من حزيران وتداعياتها، بأسلوب شعري عالي النقد في قصيدته « هوامش على دفتر النكسة»، التي جسدت انبعاث القصيدة المعارضة والمقاومة من رحم الهزيمة والفجيعة . حيث قال : «حزيران كان ثمرة شديدة المرارة. بعضنا أكلها، وبعضنا اعتاد تدريجيا مذاقها، وبعضنا تقيأها فورا.
ما يميز القصيدة أنها لا تبكي النكسة، وإنما تعري أسبابها علنا وتعدد مستوياتها، وتتخذ من كل كلمة رصاصة وبندقية. فاستهلها: « ما دخلَ اليهودُ مِنْ حدودِنا وإنّما تسرّبوا كالنملِ مِنْ عيوبِنا، كلّفَنا ارتجالُنا.
خمسينَ ألفَ خيمةٍ جديدة.أنعى لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمة، والكتب القديمة، أنعى لكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة ومفردات الهجاء والشتيمة أنعى لكم، أنعى لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة مالحة في فمنا القصائد، مالحة ضفائر النساء والليل والأستار والمقاعد، مالحة أمامنا الأشياء.
57 عاماً على النكسة، وما زالت الأجيال تتناقل هذا الحق المقدس التاريخي وكأن كل جيلٍ يأتي يصبح هو جيل القضية.