جفرا نيوز -
بقلم جهاد المنسي
لطالما كنت متيقنا أن من واجب الدولة تعزيز انغراس ابناء المجتمع المحلي في مناطقهم الجغرافية وبلداتهم، وهذا لا يمكن الوصول اليه دون تخطيط استراتيجي، وتنمية شاملة مستدامة، توفر الأسس التي من شأنها توسيع قاعدة الخدمات المقدمة في تلك المناطق وابتكار افكار تنموية تؤدي في نهاية المطاف لخلق فرص عمل لأبناء تلك المناطق تحفزهم على البقاء في مناطقهم الجغرافية، وتؤسس لنهوض تنموي شامل ينعكس على كل مناحي الحياة في الأطراف.
ولأن الاقتصاد والتنمية لا تقوم على الخدمات التي تقدمها مطاعم فاخرة او وجبات سريعة، وانما يتطور من خلال تعزيز آفاق الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، والمشاريع الصغيرة المنتجة، والسياحة، والأفكار غير التقليدية من خارج الصندوق الذي اعتادت الحكومات المتعاقبة التفكير بداخله، ولم تخرج حتى الآن في تفكيرها وطرحها خارج اطار الصندوق نفسه.
وللوصول الى ما اشرنا اليه فان ذاك لا ينجح بدون بنية تحتية جاذبة، ومشاريع تستقطب العقول الرائدة في محافظات المملكة وألويتها، ورعاية حكومية جادة بعيدة عن الأفكار الضيقة، وتسهيل كل ما من شأنه الوصول بنا لمشاريع صغيرة تشغيلية وافكار خلاقة تخفف من وطأة الفقر والبطالة.
كان ذاك توطئة للحديث عن منطقة من مناطق المملكة البعيدة الواقعة في الأطراف وهي لواء الاغوار الجنوبية الذي يبلغ عدد سكانه اكثر من 50 ألف مواطن ويزيد، والتي تبعد عن العاصمة عمان ما يقرب من 200 كيلو متر، وعن محافظة العقبة ما يقرب من 160، ويقع ضمن محافظة الكرك، ويضم بلديات مختلفة من بينها غور الصافي الذي سعدت الأسبوع الماضي بزيارته والالتقاء بعدد من أبنائه الذي لوحتهم شمس الأغوار وابقت قلوبهم بيضاء نقية، وهو ما لمسناه أنا وصحبتي عند جلوسنا مع ابناء المنطقة الذين يجهدون ما أمكنهم لتقديم افكار تطويرية والانتقال بالبلدة واللواء بكامله من حيز إلى حيز اكبر واشمل وأوسع.
شخصيا كانت سعادتي غامرة وانا اشاهد شمس الصباح تشرق بخيوطها الذهبية على مياه البحر الميت الذي يؤلمنا في حالة الانكماش التي يعاني منها والتبخر الشديد الذي نلمسه في كل زيارة للمنطقة، وسعدت اكثر بكاسة الشاي بين مواطنين تحدثنا معهم عن قضايا اللواء ومشاكله والحلول التي يمكن ان تقدم لتطويره.
في غور الصافي التقينا بعاملات سيدات يعملن منذ ساعات الفجر الاولى في المزارع بأجر يومي لا يتعدى ستة دنانير يومية؛ يجهدون لإنهاء واجبهم قبل ساعات الظهيرة الموقدة، كما جالسنا مزارعين استمعنا منهم لأبرز المشاكل الزراعية وطموحاتهم في تطوير المنطقة، حدثونا عن ندرة المياه التي تعاني منها المنطقة؛ وهي معاناة معكوسة على البلد بشكل عام الذي يحتل مستويات متدنية في الترتيب الأخير من حيث الفقر المائي.
في غور الصافي كان مرشدنا ابن المنطقة المثابر عبدالجواد، ذاك الشاب الطموح الممتلئ تفاؤلا وأملا وايمانا بالمستقبل، المبتسم على الدوام والذي يمتلك مشروعا سياحيا، يكون إنشاؤه بمجهود ذاتي ودعم بسيط، شرح لنا هدفه من المشروع، وهو مشروع لم يكن هدفه الربح المادي بقدر ما كان هدفه تعريف الزوار بالمنطقة واحوالها والامكانيات المتوفرة فيها، حدثنا عن رؤيته التحفيزية، وسعيه لتشغيل اكبر عدد ممكن من أبناء المنطقة، وجذب السياح اجانب ووافدين للمنطقة.
اقام عبدالجواد مشروعا تحت اسم (مطبخ الصافي) واستثمر الفضاء الالكتروني للترويج له، وفيه يتم تقديم مأكولات شعبية ريفية مما يتم زرعه في المنطقة، ويؤمن طعاما محليا في الهواء الطلق، وتنزها في المزارع المحلية، وقطف الخضار بيد الزائر، وقضاء وقت في منطقة زراعية والتفاعل مع المجتمع المحلي، والتعرف على نمط حياة ابناء المنطقة.
شخصيا أعتقد جازما اننا نحتاج للنهوض الاقتصادي لأفكار تنموية ومشاريع صغيرة من شأنها ايصالنا لتنمية حقيقية يستفيد منها الأطراف وابناء المنطقة وتساهم في التخفيف من مشكلتي البطالة والفقر الذي تعاني منهما مناطق الأطراف والأحياء في العاصمة.