جفرا نيوز -
بقلم: رامي الخياط
في أوطاننا فصيل من الناس ضحالتهم عميقة وضاربة جذورها في الأرض. هم لا يملكون رأياً، ولا يقرءون .. وإن قرؤوا لا يفهموا هم لا يتقنوا حتى ثقافة الاستماع .. وعندما أقول أوطاننا فأنا لا أعني الأردن فقط، بل في مجتمعنا العربي من محیطه إلى خليجه !!
فئة تمتهن وظيفة النقل الأعمى لكل ما يقال او يشاع، وذلك من باب المشاركة لأجل المشاركة والنقاش لأجل النقاش والاعتراض او المعارضة لأجل المناكفة والظهور ولو فوق أرضية اللاوعي واللا فهم واللا علم ...
توقفت طويلاً مع مقابلة جلالة الملكة رانيا العبد الله مع الإعلامية الأمريكية مارغريت برينان على قناة CBS لبرنامج Face the nation في نيويورك والتي تمت قبل حوالي الأسبوع، وقبلها مقابلتها في شهر آذار مع جوي ريد في قناة MSNBC في !!! ReidOut برنامج
استمعت للمقابلتين الاخيرتين للملكة تحديداً مرتين، والمقابلتان موجودتان على كافة وسائل التواصل واليوتيوب و هما مترجمتان للغة العربية أيضاً ...
الملكة ... ملكتنا أجزلت، وأوجزت و قالت ما لم يقله رجال رجال من أمتنا العربية المجيدة، وباحث بما لم يقله أقحاح
العرب ممن تقف الصقور على شواربهم !!
الملكة لم تقل شعراً من بحور الشعر العربي التليد بدءاً من بحر البسيط أو الوافر، وإنتهاء بالبحر الكامل أو المُجْتَث !!!!
ولم تروي نثراً متناثراً من حروف لغتنا العربية التليدة على شاشاتنا العربية التي تتابعها شعوبنا العربية الهادرة، فتغدو
الحروف والكلمات كمن ينفخ هواءاً في الهواء ... او كما نقول في أمثلتنا العامية ... ننفخ في قربة مخزوقة" !!!
الملكة ... خاطبت الأمريكيين والغرب بلسانهم .... خاطبتهم بلغتهم، وثقافتهم، ودخلت مجتمعهم وبيوتهم وغرف
جلوسهم بطريقة رصينة واثقة وهادئة، وبمنطق عقلاني متسلسل، بعيداً عن العنتريات او الهجوم فقط، هي خاطبتهم
كمعلمة في مدرسة تخاطب طلاباً وتنقل لهم رسالة بطريقة سهلة وسلسة
الملفت أن بعض سفهائنا من الداخل والخارج .. يختزلون المشهد إلى كلمات، ويجتزئون الحديث إلى مقاطع أو حروف
يتداولونها او يتناقلونها كيفما يشاؤون ويضعونها في قوالب هم صنعوها حتى يثبتوا أنهم على حق... وهم في الواقع على
الملك و الملكة قالوا ما عجز عن البوح به الكثيرون الكثيرون ممن ينادون بالحرية وممن يمتهنون الوطنية، و تماهوا في
مواقفهم وآرائهم وخطاباتهم مع موقف الأردن الشعبي المناصر لغزة العزة والداعي لوقف مجازر الاحتلال ضد شعب أعزل.
وفي مقابلتها الأخيرة في نيويورك تخطت الملكة في قوة حجتها مواقف دول عربية وإسلامية وعالمية كثيرة .... و قالت ما
نتداوله في لغتنا العامية ( للأعور أعور في عينه، وخاطبت عبر وسائل إعلام أمريكية وفي وسط نيويورك معقل اليهود ومركز
سلطة المال، خاطبت ملايين الأمريكيين وملايين الناس حول العالم وفي أكثر البرامج مشاهدة، وعبرت عن ضمير كل فلسطيني وأردني وعربي ومسلم ومسيحي بطريقة عقلانية راقية وبسيطة في ذات الوقت
إذا كان لي من لقب يمكن أن أطلقه على هذه المقابلات .. فيكفي ان يقال عنها أنها مقابلات ذكية" بإمتياز، فلا يكفي أن تمتلك ناصية الكلام باللغة الإنجليزية او اللكنة الأمريكية حتى تكون سياسياً او متحدثاً حاذقاً، ولكن عليك أن تكون ذكياً جداً في إيصال ما ترغب وبشكل بسيط إلى كل مستمع في العالم لتشرح له قضيتك وتوصل له رسالة حول ما يجري وهو ما فعله الملك والملكة
أعرف الكثيرين ممن يعيشون ويعملون في الخارج العربي أو الدولي من المهنيين والإعلاميين أو المواطنين العاديين وحتى السياسيين ومنهم الكثيرون ممن يتشدقون بالوطنية وأجزم أن معظمهم صادقون في مشاعرهم ولكنهم لا يتجرؤون حتى على وضع LIKE او عمل SHARE لبوست متعلق بغزة خوفاً على عملهم او وجودهم في مناصبهم ... والأدهى والأنكى أن لا أحد .. نعم لا أحد من مسئولينا العرب، بدءاً من أمين جامعتنا العربية العتيدة وإنتهاء بوزير عربي في "بلاد العرب أوطاني" استطاع أن يخاطب شعوب الغرب أو أمريكا كما فعل الأردن ممثلاً بجلالة الملك وجلالة الملكة على الرغم من كل الضغوطات التي يعلمها القاصي والداني وعلى الرغم من وضع الأردن الخاص في كل شيء وإمكانياته المحدودة والتي لا تخفى على أحد ..!!! حتى يخرج علينا تافه يجلس فوق أريكته او من خلف شاشة هاتفه ليجتزء عبارة من هنا أو هناك ضمن حوار متكامل في محاولة منه للتشويه أو للتقليل من حديث مهم لهما حول غزة أو فلسطين .
أيها الحمقى ... لا تنقلوا كلاماً لم تسمعوه كالحمار يحمل أسفارا، واسمعوا وعوا، واستمعوا وتعلموا كيف تخاطبوا الآخر بالمنطق والحكمة والهدوء الصاخب !!
قديما قالوا عن هؤلاء
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها !!
وأنا أقول شكراً سيدي الملك ... شكراً سيدتي الملكة
وكفى !!!
رامي زياد الخياط
rami.khayyat@yahoo.com