جفرا نيوز -
جفرا نيوز - في الوقت الذي تتركز فيه أنظار الكثيرين على التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بدءا من الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة إلى المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية وجماعة الحوثيين اليمنية في جنوب البحر الأحمر من ناحية أخرى، يتزايد خطر الترسانة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، واحتمالات نشوب صراع مسلح في شمال شرق آسيا.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال المحلل الاستراتيجي والدبلوماسي الأمريكي المخضرم روبرت غالوتشي إن هناك تغيرا واضحا في النهج الذي تبنته كوريا الشمالية خلال السنوات الأخيرة، مقارنة بنهجها طوال عقود سابقة. وانتقلت بيونغ يانغ من المفاوضات البطيئة في عهد إدارتي الرئيسين السابقين كلينتون وبوش إلى سلسلة استفزازات، من إغراق سفن وقصف جزر وإسقاط طائرات مروحية واختبار أسلحة نووية لتجد واشنطن نفسها أمام وضع مختلف تماما في شبه الجزيرة الكورية.
ولم تبد كوريا الشمالية طوال السنوات الثلاث الماضية أي اهتمام بالدخول في مفاوضات مطولة مع الولايات المتحدة. وبدلا من الاستفزازات التي تستهدف جذب الانتباه وخلق أوراق مساومة، فإنها أجرت اختبارات لأسلحة باليستية طويلة المدى لمنع أي محاولة لتغيير نظام حكمها، والحصول على المواد اللازمة لتوسيع ترسانتها النووية، والتهديد باستخدام الأسلحة النووية "أولا” في حال نشوب أي صراع.
ويضيف غالوتشي الاستاذ البارز للدبلوماسية العملية في كلية وولش سكول للعلاقات الخارجية في جامعة جورج تاون الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن واجهت عند وصولها للحكم قيادة كورية شمالية قلقة، مع مشهد دولي سريع التغير. فكانت آسيا تشهد صعود النفوذ الصيني وتراجع الدور الأمريكي، في حين كانت أوروبا مسرحا لعودة النفوذ الروسي، وصولا لغزو أوكرانيا. في الوقت نفسه اختار الجيل الثالث من عائلة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية المحافظة على العلاقات مع بكين وتبني دورها الرئيسي كدولة حليفة للصين مع التحسين السريع لعلاقاتها مع موسكو وتكوين شكل من التحالف الديكتاتوري. وفي ظل هذه الأوضاع يمكن توقع الأسوأ والتفكير في احتمال نشوب حرب نووية في شمال شرق آسيا خلال 2024 والبحث سبل تجنب مثل هذا السيناريو الكارثي.
ويرى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم روبرت غالوتشي الذي عمل كسفير متجول ومبعوث خاص لوزارة الخارجية الأمريكية مهمته التركيز بشكل أساسي على جهود منع الانتشار النووي والصواريخ بعيدة المدى في العالم أن هناك سيناريوهات عديدة يمكن أن تقود إلى تلك الحرب النووية في شمال شرق آسيا. ومن هذه السيناريوهات يوجد ما يسمى "سيناريو تايوان”، وفيه ستتحرك الصين ضد تايوان التي تعتبرها إقليما منشقا ردا على أي تحركات استفزازية من جانب القيادة التايوانية، لتتحرك واشنطن دعم لحليفتها تايوان.
وفي هذه الحالة يمكن أن تتحرك كوريا الشمالية سواء بتشجيع من الصين أو بدونه، لدعم بكين، بتوجيه تهديدات نووية لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في شمال شرق آسيا، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستواجه دولتين نوويتين في مسرح واحد، إلا إذا اختارت روسيا أن تصبح الثالثة. في المقابل فإن اليابان وكوريا الجنوبية حليفتي الولايات المتحدة غير نوويتين. وهما تعتمدان على واشنطن لمنع حدوث هذا السيناريو، الذي يجب التفكير فيه بجدية لأن الدول يمكن أن تكون انتهازية مثل قادتها.
وهناك سيناريو آخر أقل تعقيدا، وفيه ستقرر القيادة الكورية الشمالية استخدام ترسانتها النووية والصاروخية لإجبار جارتها الجنوبية على الخضوع للتوجهات السياسية والحدودية للشمال وضمان ردع الولايات المتحدة عن التدخل دعما لكوريا الجنوبية. ومن المهم في هذا السيناريو أو في أي سيناريو آخر مطروح، إدراك أن ما ستقوم به الولايات المتحدة بالفعل ليس هو النقطة المهمة، وإنما المهم هو ما تعتقد القيادة الكورية الشمالية أن واشنطن ستقوم به. فقد تعتقد كوريا الشمالية أن ترسانتها الصاروخية العابرة للقارات يمكنها ليس فقط ردع الولايات المتحدة عن محاولة تغيير نظام الحكم في بيونغ يانغ، وإنما تقلص أيضا قدرتها على دعم حلفائها في آسيا. وتصور كوريا الشمالية لهذه النقطة بالذات يمكن أن يحدد ما إذا كانت الحرب نووية ستنشب في آسيا أم لا.
ويقول غالوتشي الذي ترأس الوفد الأمريكي في مفاوضات الأزمة النووية الكورية الشمالية عام 1994 إنه إذا كانت الولايات المتحدة قلقه بالفعل من احتمال نشوب حرب نووية، فعليها التفكير في السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تؤدي إليها، بعيدا عن مجرد فكرة مدى فشل الردع الأمريكي لبيونغ يانغ.
وهناك احتمال وقوع حادث عارض أو قيام الجيش الكوري الشمالي بإطلاق صاروخ نووي دون إذن من القيادة العليا. فرغم كل شيء تعتبر كوريا الشمالية "جديدة على اللعبة النووية” مقارنة بالدول النووية الأخرى. كما أن الحديث الكوري الشمالي الصاخب عن الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية، لا يجب أن يكون سببا للثقة في أن احتمال حدوث هذا الأمر ضعيف.
ويكفي القول إن تنامي الترسانات النووية في شمال شرق آسيا، وفي بيئة يسيطر عليها التنافس وأحيانا العداء السياسي، يفرض على الإدارة الأمريكية إعادة النظر في استراتيجيتها الإقليمية والتفكير في مخاطر الاعتماد على سياسة "الدبلوماسية هي الملاذ الأخير”، والتفكير جيدا في العودة إلى المسار الدبلوماسي، رغم صعوبة تحقيق هذا الأمر خلال العام الحالي في ضوء انشغال إدارة الرئيس بايدن بالانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وأخيرا يقول غالوتشي الذي شغل منصب عميد كلية وولش سكول للعلاقات الخارجية لمدة 13 عاما إنه ليس من الخطأ التفكير فيما يمكن أن يجذب بيونغ يانغ إلى المحادثات مع واشنطن. والأمر بسيط لكنه ليس سهلا. فعلى الولايات المتحدة السعي بإخلاص نحو تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية وجعل هدف تفكيك ترسانتها النووية هدفا أبعد مدى وليس الخطوة الأولى في عملية التقارب. كما يجب أن يكون مطروحا على مائدة المناقشات من البداية تخفيف العقوبات على كوريا الشمالية وميثاق التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية وتحسين سياسات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وهو أمر أبدت بيونغ يانغ استعدادها له في الماضي، كما أنه حيوي لتطبيع العلاقات. وكما قال غالوتشي فالأمر قد يكون بسيطا لكنه ليس سهلا.
(د ب أ)