جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
ما زلت أهاب سيرة الغول وأمقت لؤم الضبع وخبثها، وما زلت أرتعد من حقد الحية التي تبلع كبشا بقرنين عظيمين، وما زلت أندغم حد الهوس بحكايات الشاطر حسن وبطولات الزير سالم ودم كليب الذي لم يجف.
وما زالت أتجنب النوم بجواربي خوفاً على ما تبقى من بصري، فطالما خوفتني جدتي من أن الجوارب تضرب على عرق البصر، ورغم أني تدرعت بمطعوم الجزر منذ خشونة أظفاري؛ إلا أنني صرت أمشي بعكازات للعينين.
وما زلت أخشى موجهة المرايا ليلاً؛ فهي بوابات للشياطين الزرق، حسب ما كانت ترعبنا الجدات والأمهات لننام على خوف مكبلي الأحلام خامدي الأمنيات.
أحلامنا لم تكن سوى كوابيس بدبابيس جراء تلك العقلية التخويفية، ولهذا كانت وما زالت تفرحني فكرة بابا نويل الرجل الطيب بلحيته الشاسعة، الذي يأتي على زلاجات تقودها غزالات رشيقة، تجوب قطن السماء وعبابها، ليباغت الأولاد النيام في فراديس أحلامهم.
يدخل بابا نويل من مدخنة البيت الضيقة، ويترك هداياه الملفوفة بورق يلمع فوق رؤوسهم، فإذا ما أفاقوا ومسحوا النوم عن عيونهم، وجدوا ما يفرحهم بعيدهم، فبفكرة بابا نويل يستطيع خيال الصغار إذا ما كبروا وتحجمت أحلامهم أن يهضم هذا العالم العسير.
فيا رجل الثلج والأمنيات عندما كنّا صغاراً كانت الدنيا كبيرة في عيوننا، أكبر من كيسك الأحمر وأكبر من رغيف جوعنا، فلماذا ضاقت بنا وضاقت علينا، حتى صارت أضيق من ثقب رصاصة برأس شهيد؟ فما أتعسنا إذ نكبر ونكف عن نسج الأمنيات.
فيا أيها الصديق لا أريد لعبة تضرب طبلاً أحمق، ولا أريد كرة من المطاط، بل أريد أن تنقشع سحب الحروب القاتمة عن شمسنا، وتذوب في بحر الملح، كي لا يجرؤ أشرار الأرض ويزدردونها مرةً أخرى، فيتناسلون حروباً تحيل أحلامنا كوابيس سوداء، ونريد وطناً فيه الفراشات يتحلقن وهج القنديل ويمتن بسعادة كميلاد طفل.
يا بابا نويل طواحين الهواء تقتحم علينا حياتنا وتقاتلنا وتفر أيامنا مذعورة من بين أيادينا. ألا من يعد إلينا أحلامنا الهاربة تلك؟ فبدلاً من مصارعة تلك الطواحين البلهاء ومواجهة قبح العالم، ربما كان علينا أن نتقن لغة أخرى تصنع واقعاً أجمل، حيث كلُّ ما نشتهي مبذول وما نهوى منول.
يا بابا نويل كنّا أولاداً طيبين لا يعصون لآبائهم أمراً. ننام أبكر من دجاج المزارع ولا نلطخ ثيابنا بالشوكولاته، لأننا لم نأكلها أصلاً ولم نعرفها يوما وكنا طيعين كمعجون الأسنان؛ فحاول أن تزورنا وتدخل مدخنة بيوتنا الباردة؛ كي تجلب عكازات لأحلامنا الكسيحة.