جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رشاد ابو داود
أوقفت سيارتها أمام السوبر ماركت. نزل أطفالها الثلاثة، ولدان و بنت، أكبرهم في التاسعة، ثم نزلت. امرأة ثلاثينية، جميلة، قوام رشيق. ترتدي بيجامة من تلك التي تلتصق بالجسد. تي شيرت قصير و سروال كأنه تحت جلدها لا فوقه.
كنت في سيارتي استعد لمغادرة المكان. سمعتها تتحدث مع أولادها بكلمات انجليزية استعراضية. بصوت مرتفع، تتلفت حولها مبتسمة، كأنها تقول : اسمعوني، أولادي أيضاً يتحدثون الانجليزية. دخلت السوق يسبقها صوتها وعطرها واستعراضها و..أولادها.
وهل هذا وقت الكلام عن امرأة ولغة انجليزية وأولاد وسوبرماركت يا رشاد بينما تتعرض غزة لعدوان همجي صهيو أميركي غربي ؟
هو كذلك. هذا وقته.
فاللغة والاعلام سلاح في الحروب. الكلمة رصاصة والوسيلة الاعلامية منصة تعادل منصة صواريخ. كتلك التي تطلقها المقاومة الآن على تل أبيب وعسقلان وأسدود ومستعمرات العدو في شمال فلسطين المحتلة ووسطها و جنوبها.
أمضينا عشرات السنين ونحن نخاطب مؤيدي اسرائيل بلغتنا العربية. نرفع الصوت ونقوي النبرة، نتوعد و نهدد ونرغي و نزبد. لكأننا نتكلم لنا ونقول للغرب تعلموا لغتنا لتفهموا ما بنا وما هي قضيتنا. كم أنفقنا على سفاراتنا و فضائياتنا ووسائل اعلامنا كما لو أننا نصرخ في الهواء، هدفنا تبجيل حكوماتنا وتجهيل الرأي العالمي بقضيتنا حتى بتنا وباتت شعوب العالم ضحية لأكاذيب « الكذبة» التي اسمها «اسرائيل « والعصابات الصهيونية التي أصبح مجرموها رؤساء حكومات ووزراء وقادة جيوش بعد أن أسسوا «الدولة « على أرض فلسطين.
قامت اسرائيل على ركيزتين، السلاح و الاعلام. ونحن فقدنا السلاح و أفشلنا الاعلام و..هزمنا. امتلكت أحدث الطائرات المقاتلة والقنابل النووية وفي نفس الوقت شغلت ماكينة الكذب الاعلامية واقنعت الغرب أنها الضحية. ونحن امتلكنا السلاح ليصدأ في مخازنه، إلا ما ندر، وحسنا رسالتنا الخطابية لا الاعلامية.
أنا واحد من الخمسة عشر مليونا حول العالم خلال يومين الذين شاهدوا وسمعوا مقابلة مقدم البرامج والكوميدي المصري الأميركي باسم يوسف مع المذيع البريطاني الشهير بيرس مورغان على شاشة ال «بي بي سي» والتي حققت أكبر نسبة مشاهدة في تاريخ أشهر مقدم برامج ربما في العالم. المقابلة حول ما يجري في غزة، أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي في العالم.
سر نجاح باسم في ايصال الصورة الحقيقية للعدوان يكمن في أسباب بسيطة هي : أنه تحدث الانجليزية بلكنة أميركية مستخدماً أحياناً ألفاظاً محكية في الشوارع وبذلك شعر المشاهدون انه قريب منهم. أفحم المذيع بقوله : تريدني ان ادين هجوم حماس نعم ادينه لكن رد فعل اسرائيل بقتل المدينين والأطفال تخطى المنطق و يشبه ما قامت به داعش كمنظمة ارهابية - أنصح بمشاهدة المقابلة على اليو تيوب لنتعلم دور الكوميديا السوداء في الدفاع عن قضايانا العربية.
كان باسم سريع البديهة، أتقن لغة الجسد وأوصل في أقل من ساعة رسالة الى العالم لم توصلها لا الجامعة العربية ولا الاعلام طيلة خمس وسبعين سنة. استطاع تحويل مواقف مشاهير استغلتهم الدعاية الصهيونية من تأييد اسرائيل الى ادانتها.
ماذا لو استغل كل من يتقن الانجليزية من العرب المشاركة ولو بكلمة أو صورة في المواقع التي يشاهدها المواطن الأميركي والغربي المؤيد لأكاذيب اسرائيل والتوقف عن استعراض اللغة الانجليزية كتلك المرأة أمام السوبر ماركت.. العربي ؟!