جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب
أثار إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد أول أمس, رفضه «المساعدة» المالية التي قرر الاتحاد الأوروبي «منحها» لبلاده, في إطار اتفاق لمكافحة الهجرة غير الشرعية, ووصفه إياها بأنها تكاد تكون «صدقة». أثار جملة من الأسئلة والتساؤلات حول طبيعة الأهداف التي تسعى دول الاتحاد الأوروبي تحقيقها من وراء محاولاتها التي لا تتوقف, لتصدير أزمة المهاجرين إلى تونس وليبيا. على نحو يريد فيه الاتحاد الأوروبي تحميل هاتين الدولتين العربيتين عبئا ثقيلا لا مسؤولية لهما في أزمة كهذه. في وقت يرفض فيه حتى مساعدة تونس وليبيا على مواجهة تلك ال?زمة المعقدة, بل يعرض عليهما مبالغ مالية ضئيلة ومتواضعة لا تسهم في تقديم خدمة الحد الأدنى للمهاجرين, فضلا عن التداعيات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية لمكوثهم على أراضيهما حتى لو كان مكوثا مؤقتا.
وإذا كان الرئيس التونسي قد وجد ان المبلغ الذي سيقدمه الاتحاد الأوروبي, يتعارض مع نص الاتفاق الذي أبرمه الطرفان في تموز الماضي, لافتا إلى ان بلاده تقبل التعاون لكنها لا تقبل ما يشبه «المنة أو الصدقة», مضيفا أننا لا نريد التعاطف إذا كان بدون إحترام, مؤكدا في الوقت نفسه, ان تونس تبذل كل ما لديها من إمكانات, لتفكيك الشبكات الإجرامية التي تتاجر بالبشر, فإن المفوضية الأوروبية تقول: إن المساعدات المخصصة لتونس «يجب» أن تذهب في جزء منها لإعادة تأهيل زوارق خفر السواحل التونسيين, وللتعاون مع المنظمات الدولية, سواء ــ?تضيف المفوضية ــ من أجل «حماية المهاجرين» أم لتنظيم رحلات «لإعادتهم من تونس إلى بلادهم الأصلية».
هنا يتوجب التوقف عند هذا الفيض من غطرسة الرجل الأبيض, خاصة إذا ما دققنا في قيمة المبلغ الذي سيقدمه الإتحاد الأوروبي لتونس, حيث لن يزيد عن (105) ملايين يورو, مقابل ان تنهض المؤسسات التونسية المختلفة بكل هذه الأعباء, لقاء مبلغ زهيد كهذا. وقد يخرج أحد المسؤولين في المفوضية ليقول للتوانسة: لا تنسوا اننا سنقدم أيضا في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بيننا, «مساعدة» مباشرة للميزانية التونسية للعام 2023 بقيمة (150) مليون يورو, كي «تتمكن بلادكم من تخطي الصعوبات الاقتصادية».
فهل ثمة وجه للمقارنة بين 255 مليون يورو ("105» لمكافحة الهجرة + «150» لدعم الميزانية), وبين «المليارات» التي دفعها الاتحاد الأوروبي, كي تمنع أنقرة تدفق المهاجرين الى أوروبا؟. فضلا عن الخلافات العميقة التي طفت الى السطح في شهر أيلول الماضي, وما تزال تتواصل خاصة بين إيطاليا وكل من فرنسا وألمانيا. عندما قررت برلين «تعليق الإستقبال الطوعي لطالبي اللجوء حتى إشعار آخر", ما أسهم في تأجيج الأزمة بين البلدين, فضلا عن تأكيد برلين تعليقها «آلية التضامن الأوروبي الطوعية", وهي خطة «ترحب بموجبها دول الشمال الأوروبي, بال?هاجرين الذين يصلون شواطئ جيرانهم الجنوبيين لمساعدتهم».
أما الحكومة الألمانية فتتهم إيطاليا بعدم التعاون, مشترطة/برلين بأن تكون آلية التضامن الطوعي, مصحوبة برقابة أكثر صرامة على الهجرة الثانوية غير الشرعية اليها, لافتة إلى ان قرارها تعليق آلية التضامن, انما بسبب «ضغط الهجرة المرتفع نحو المانيا». بل ثمة ما هو أكثر تعقيدا وتشابكا يرفع من منسوب التوتر بين دول الاتحاد/الشمالية وتلك/الجنوبية (اليونان, إيطاليا وإسبانيا). حيث «منعت» إيطاليا تماما عودة اؤلئك الذين تحاول ألمانيا إعادتهم لمدة تسعة أشهر. ومن بين (12400) طلب إسترداد قدمتها برلين بين شهري كانون الثاني وآب م? هذا العام, لم تستجب روما إلا لـ«10» طلبات. دون إهمال الإشارة إلى أن فرنسا قررت هي الأخرى «منع» دخول المهاجرين من إيطاليا الى أراضيها.
فهل يطلب من تونس أن تكون مركز إيواء لهذه الآلاف المؤلفة من المهاجرين, فيما تضيق بهم اوروبا, التى لا تتوقف عن التشدق بحقوق الانسان والإعتراف بالآخر, ووضع الشروط المتشددة على المساعدات التي تقدمها لدول عربية قريبة من شواطئها, فيما يتخذ البرلمان الأوروبي قرارا بـ«عدم السماح بعودة النازحين السوريين في لبنان الى بلادهم», وشاركتهم في ذلك الولايات المتحدة التي أعلنت مؤخرا، ان الظروف الحالية «غير مواتية لعودتهم»؟.
ناهيك عن التقليص المتواصل للمبالغ المالية, التي كان الاتحاد الأوروبي كما الولايات المتحدة والأمم المتحدة, تعهدوا تقديمها للدول المضيفة للنازحين السوريين, في وقت «جدد» فيه الاتحاد الأوروبي يوم 28 ايلول الماضي, «تمديد» الحماية المؤقتة للاجئين الأوكرانيين, بما يمنحهم الحق في الإقامة بشكل قانوني في أراضي الإتحاد, والحماية الإجتماعية الأساسية حتى آذار 2025. ما يوفر لأكثر من «4» ملايين لاجئ حماية فورية وجماعية, دون الحاجة إلى فحص الطلبات الفردية للاجئين, الذين ليسوا في وضع يسمح لهم بالعودة إلى بلدهم الأصلي.
فـ«تأملوا وقارنوا عمق ازدواجية معايير أحفاد المستعمرين.. البيض».