جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
في الأدب والسينما وسائر الفنون الأخرى يُسأل دوماً عن الأثر المتروك في نفس المتلقي، بعد قراءة أو مطالعة أو مشاهدة العمل الإبداعي والاشتباك معه. ماذا خلد في وجدانك بعد أن عشت تفاصيله وأبعاده، أو حين لامس روحك وقلبك وكأنك جزء منه؟
حال انتهائك من مشاهدة فيلم أفاتار بجزئه الثاني؛ ستدرك أن رسالة مشفّرة تدعونا إلى إنقاذ أمنا الأرض التي تعرضت للغزو الشرير الذي جرّف بيئتها وملأها بالغازات الدفيئة حتى غدت قاب وجعين من كوكب قاحل غير قابل للحياة، وأعتقد أن مخرج الفيلم جيمس كاميرون كان ذكيا ذا بعد نظر حين أطلق اسم باندورا على كوكبه المتخيل، حتى ولو أن بعضا من النقاد الذين لم يتعمّقوا في مرامي الاسم عابوا عليه الاختيار؛ لتقاطعه مع أفلام عديدة حملت الاسم ذاته.
ففي الأسطورة اليونانية قدمت الأسياد هدية رائعة للإنسان، هي امرأة بهية اسمها «باندورا» ومعناه هدية الجميع، فالكل اشترك في تجميلها وتزيينها. ثم أعطوها هدايا كثيرة وصندوقا ذهبيا مقفلاً شرط ألا تفتحه أبدا. وكانت آخر هدية قُدمت لها الرغبة بمعرفة المستقبل، إلا أن الصندوق الذي دفنته لتدفن فضولها أرقها بشدة فنهضت في ليلة وحفرت حتى أخرجته، ثم أدخلت مفتاحاً في القفل ورفعت الغطاء ببطء. كان هناك أزيز ونبضات سريعة وضجيج لحمي داخل الصندوق، وعندما فتحته أزّت وطارت مخلوقات شبيهة بالسحالي المحرشفة ذات العيون الحمراء الملتهبة.
حامت الكائنات المخيفة حول رأس بندورا وخبطت بأجنحتها وهي شبه مغمى عليها راكعة متشبّثة بغطاء الصندوق حتى أقفلته؛ لتمسك آخر وحش كان يحاول الهروب، طرحته في الداخل وأطبقت الغطاء ودفنت صندوقها إلى الأبد.
المخلوقات القبيحة تلك حسب ما تقول الأسطورة هي الأمراض التي تحيط بنا الآن من تلوث وتخبط وحروب وجنون وغرور وتزييف وفساد وجبروت، والأمور كانت ستجري بشكل أسوأ لو أن المخلوق الذي أطبقت عليه قد انطلق، لأنه نذير الشؤم، وهو الضربة القاضية لبني الإنسان. فلو أنه تحرّر لكان كل فرد يعرف حظه، وما سيحدث له في المستقبل، وعندها لن يكون الأمل ممكناً أو متاحاً.
الأمل موجود ما دام طائر الشؤم مدفونا في صندوق بندورا، وموجود لأن أفاتار، وهي كلمة سنسكريتية تعني تناسخ الأرواح، يمنحنا تصورا هاما بقدرة التكنولوجيا والعلم على عمل شيء نسترد فيه عافية أرضنا وصحتها. ففي النهاية استطاع شعب «نافي» سكان بندورا، أن ينتصروا بتماسك العائلة وشجاعتها وتفانيها، وهذا يمنحنا أملا إضافيا بقدرتنا على تجاوز المحنة.
بقي أن أقول لكم إن التحية الوحيدة في كوكب باندورا تتمثل في جملة قصيرة بسيطة تبادلها السكان فيما بينهم وهم يحدقون بعيون بعضهم. إني أراك.
ولو أن سكان الأرض رأوا أنفسهم، ورأوا غيرهم بعين القلب والحب والتقبل لما وقعنا في فخنا وشرور أعمالنا.