جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
لكل فصل دهشته: للشتاء المجدول بضفائر الغيم تلك الحميمية الدافئة التي تسري في دمنا، حين ننصت إلى أصابع المطر تنقر على الشبابيك المضببة بالشوق لحبيب غائب من مساء بعيد. وللربيع ضحكته المخضبة بجرأة الدحنون الفوارة، وخجل الأقحوان الطفولي.
للصيف لياليه المزركشة بقمر سهران مشرّب بقصص العاشقين على عتبات الحنين والأشواق. ووحده الخريف، يجمع الأشياء بكل دهشتها، ويضفرها جديلة غجرية: الخريف أبو الفصول، يطرق بابنا بغيومه الندية في موعده.
إن أمعنت في أمنا الأرض ستجد في الخريف شيئاً من كل فصل. الخريف الذي سيبدأ بعد يومين فيه بقايا صيف ينسحب بهدوء وكبرياء، وفيه سهر طويل ريثما ينام القمر خلف عمارة، أو في حضن جبل بعيد. هو الكروم وعناقيدها الآيلة للعسل المعتق وتينها المكتنز بحلاوة لا توازيها الكلمات.
في الخريف شتاءات مباغتة مزاجية، تأخذنا على حين فجأة، وتعطرنا برائحة التراب الأول، وتذكرنا بطعم القُبلة الأولى. وفي الخريف شيء من الربيع: العصافير الصاخبة عند بوابة الفجر تستعيد زقزقاتها وشغبها استعداداً لكمون شتاء يلوح في القريب، وفيه ورد الغريب الجميل، المدجن في حدائق البيوت، وقواوير الشرفات، يعلن ثورته الباهرة (ربما يسمى هذا الورد بورد الغريب؛ لأنه يزهر في الخريف مخالفا لكل الورود). هذا الزهر المدجج بالعنفوان والنقاء يعيدنا إلى ضحكة ربيع كاملة الألق.
في الخريف ترى في كل ورقة صفراء تسقط عن غصن أمها الشجرة حياة قادمة تتجدد في برعم سيخرج من ذات الغصن. فيا أيتها الأرض الأم كم جميل أن نتجدد فيك ومنك وبك، وألا نرى في الورق الأصفر موتاً. بل حياة جديدة. دعينا نرتل من جديد، إننا أبناء حياة نحبها ونعيشها وتعيشنا.
في كل خريف سننادي على الأشياء بأسمائها. فالغيوم الماخرة عباب السماء ليست إلا حيتاناً طيبة برقصتها النشوى، والمطر الأول ليس إلا قبلة حرى بين أرض عطشى وسماء تتلوع شوقاً لضمة حضن. فهذا هو حبيبك الأول أيتها الصباحات اليانعة بالشوق، وهذا هو العناق الموشى بلهفة الغائبين. أهلاً بمطر الخريف.