النسخة الكاملة

دبكة حورانية في حي «ساروجة»

الخميس-2023-05-29 10:08 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رشاد ابو داود

 سكنَّا منطقة ساروجة القديمة ذات الأزقة الضيقة والبيوت المتلاصقة بعد الصالحية. بيت شامي عتيق كما في مسلسلات هذه الأيام، باب صغير يفضي الى حوش واسع وسطه نافورة «بحرة» كما يسمونها. ثلاث غرف ومطبخ وحمام مشترك في الطابق الأرضي وغرفتان في الطابق العلوي تصعد اليه بدرج خشبي. في كل غرفة يسكن اثنان فيصبح البيت كأنه مدينة جامعية مصغرة. وطبعاً الأجرة أقل !.

في ذلك البيت سكنا أنا ونشأت مطر في غرفة. وكان فيه ستة طلاب أردنيين آخرين أحدهم من دير أبي سعيد. فلاح طيب أصيل، يحب البصل الأخضر و..الدبكة ! كان يعشق الدبكة وما أن يدندن أحدنا عمداً بأغنية من أغاني الدبكة لاثارته حتي يقوم زميلنا حتى لو كنا على الغداء ويدبك الدبكة الحورانية الجميلة، وحين يأخذنا الحماس نشبك معه وندبك كلنا بينما يقوم أحدنا بالتطبيل على صحن الالومنيوم أو أي شيء يصدر صوتاً عالياً.

غالباً ما كنا نذهب من ساروجة الى الجامعة مشياً عبر بوابة الصالحية الى المتحف مروراً ببردى الذي كان عنفوانه يتصاعد شتاءً ويخفت صيفا، ثم صعوداً يميناً الى بوابة الجامعة، إما يميناً الى الكافيتيرا أو الى المحاضرة قبل أن يدخل الدكتور ويغلق الباب «ممنوع الدخول لمن يتأخر».

كان الأساتذة دكتاتوريين عادلين. لطيفين في التعامل، قساة في العلامات. مهنيين حنبليين يضعون العلامات وفق مقياس ريختري دقيق. والزلزال يحدث عند اعلان النتائج. وهذه كانت أوراق تعلق على باب كل قسم من الكليات فنتدافع لرؤية نتيجة سنة دراسية كاملة.

عندها تبيض وجوه وتسود وجوه، تبكي عيون وتضحك عيون. فكثيراً كنا نجد « لم ينجح أحد « في ورقة مادة ما. طبعاً « أحد « من مئات القسم. والسؤال الوحيد الذي كنا نسأله لبعضنا « ناجح وللا.....». البعض يقول ناجح بس حملت مادتين. مش مهم المهم ناجح. ونبارك له كما لو أنه حاز على الدكتوراه. الراسب وعليه أن يعيد السنة لم نكن نسأله، كان يُعرف من عيونه ومشيته منكسراً فنواسيه ونخفف عنه. طبعاً لم نكن نلتفت للتقدير فالكل «مقبول « ونادراً جداً ما كنا نرى «جيد» أما «جيد جداً « فهي كالغول والعنقاء والخل الوفي.

الرسوب يعني ضياع مصروف سنة كاملة الله أعلم كيف كان يدبرها الأهل !
في إحدى السنوات رسبت في ثلاث مواد إحداها كانت علامتي سبعاً وأربعين من مئة، أي ينقصني ثلاث علامات في مادة لأنجح الى السنة التي تليها وأحمل مادتين.

ذهبت الى مدرس المادة، الدكتور فياض على ما أتذكر، راجياً متوسلاً أن يضع لي هذه الثلاث علامات اللعينة حتى لا أعيد السنة. أجابني بكلمة واحدة « ما بئدر «. يا أستاذ حرام أعيد السنة على ثلاث علامات. تركني أتوسل، قام وقال وهو خارج «عندي محاضرة» !

أعدت السنة لكن من حسن الحظ أن وزارة التربية كانت تستعين بطلبة اللغة الانجليزية لتدريس المادة للصفوف المتوسطة بنظام الحصص يعني كل حصة تدرسها بمئة ليرة سورية وبعدد محدود من الساعات.
عملت بتدريس اللغة الانجليزية ثلاثة أيام في الأسبوع في بلدة تدعى «الرحيبة» وتبعد خمسين كيلو متراً شمال شرق دمشق ثم في بلدة «السبينة» التي تبعد عشرة كيلومترات جنوباً.

وتلك حكاية أخرى.