النسخة الكاملة

البطاينه يكتب: لماذا الهجوم على مركز الدراسات واستطلاعه الأخير؟

الخميس-2023-05-09 04:28 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - الدكتور أحمد صالح البطاينه 

السؤال الذي يطرح نفسه لو جاءت نتائج استطلاع المركز الأخيرعكس ما وصلت إليه، خاصة النتائج ذات الصلة بالحكومة والأحزاب ومجلس النواب، هل سيتعرض المركز للهجوم والطعن في مصداقيته ونتائج استطلاعه ؟! " حتماً لا ".
 بدون شك أن نتائج الاستطلاع وخاصة ذات الصلة بالجهات المذكورة آنفاً، جاءت صادمة للذين لا يريدون الاعتراف بالواقع المشهود، ويصرون على أنها عنزة ولو طارت، ولكنها لم تكن كذلك للأغلبية الساحقة الذين يتعايشون مع هذا الواقع، والغريب العجيب أن يأتي الهجوم على المركزواستطلاعه الذي يعكس اتجاهات الرأي العام في مرحلة ما يطلق عليه التحديث السياسي، وكأن رأي الشعب المُطالب بالمشاركة في هذه العملية لا شأن له بالقضايا العامة الراهنة، وأن رأيه ليس بذي قيمة، ويجب أن 
يَقبل دون إبداء رأيه بما يحدث له، أويُعرض عليه، أو من يتولى تسيير أمور حياته. 

إن هذا الهجوم غير المبرر على المركز واستطلاعه، يندرج في خانة الإرهاب الفكري وتكميم الأفواه، ومحاولات إكراه المركز على تسيس نتائج استطلاعاته باتجاه تأييد كل السياسات التي اعتاد الشعب الأردني أن تُفرض عليه. 

إن بعض الأمثلة من نماذج الهجوم على المركز ونتائج استطلاعاته من قبل البعض والتي بالمناسبة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، توحي بأنها ممنهجة لأنها لا تأتي على مقاييسهم ومقاييس من يدافعون عنهم، فمن بعض هذه النماذج أن إنبرى البعض في هجومه، وخاصة من أقطاب مؤسسي حزب  يتصدر المشهد الحزبي والتنظير لمرحلة التحديث السياسي للدفاع عن الحكومة، وكأن الحكومة تابو والرأي العام غير معني بتقييم أداء الحكومة، وأن المعني الوحيد وألأقدر على ذلك كما تم تحديده هو من أتى بها فقط ، وهذا مؤشر على الفلسفة والرؤيا المحزنة التي يُراد للبلد أن يعيش في إطارها.

 بينما انبرى البعض الآخر من الجسم الصحفي إلى الهجوم على المركز ونتائج استطلاعه من باب الإنكار على المركز قدرته على قياس توجهات الرأي العام بشكل علمي لينسف واقعية هذه النتائج، ولينسف الثقة أساساً بالمركز وعمله. والغريب أن مثل هذه النماذج من الهجوم لم تُطرح من قِبَل من يُشهد لهم بالباع الطويل بالمعرفة العلمية بمنهجيات الاستطلاعات، حيث أنه لم يتم طرح في معرض أي هجوم أي نقد دقيق من ناحية علمية لمنهجية الإستطلاع، الأمر الذي يؤكد يقيناً أنه لم يتم اطلاعهم عليها، وأن الهجوم في هذا الإطارلا يمكن إلا أن يوصف بأنه إنطباعي، ويُقصد منه فقط التأليب على المركز والنيل من مصداقية  نتائج استطلاعه ذات الصلة بالتحديد بالحكومة والأحزاب ومجلس النواب، إلى درجة أن مثل هذه النماذج من الهجوم تجاهلت تماماً النتائج المضيئة للإستطلاع الخاصة ببعض القضايا المفصلية الهامة كموقف الأردن من القضية الفلسطينية، وغيرها من النتائج الأخرى ذات الصلة بالجيش والأجهزة الأمنية وتأييد غالبية الأردنيين لإعادة خدمة العلم العسكرية .

ليس بمستغرب أن تأتي نتائج الإستطلاع ذات الصلة بالحكومة سلبية، فمبرر وجود أي حكومة مرتبط بمدى قربها أو بعدها عن معالجة الملفات التي تمس مباشرة حياة الشعب الأردني، كالوضع الاقتصادي والمديونية والفساد والبطالة والفقروالصحة والتعليم والنقل وغلاء الأسعار وغيرها من الأمور الحياتية، وأفضل من يُقيم أداء الحكومة في هذه المجالات هم من يعانون من هذه الملفات وتداعياتها، ولم يشعر الناس بأي تقدم يذكر بل زادت معاناتهم في هذه المجالات، فكيف يُراد للأغلبية أن تعبر عن اتجاهات إيجابية نحو الحكومة أو الثقة بأدائها. 

أما بالنسبة لنتائج الاستطلاع السلبية ذات الصلة بمجلس النواب فعلاوة على أنه شريك الحكومة في العجزعن معالجة الملفات الملحة بحياة الناس، فما ينسحب على الحكومة ينسحب عليه من عدم ثقة الشعب الأردني بأدائه، بل أن عدم الثقة بالمجلس تفوق عدم الثقة بالحكومة باعتباره ممثلا للشعب أمام الحكومة، ويقف عاجزاً أمامها وعن سياساتها، ليس فقط في المجالات المذكورة بل في ملفات وطنية أخرى. 

وجاءت نتائج الاستطلاع بالنسبة للأحزاب لتعكس حقيقة واضحة ومشهودة في الساحة السياسية الأردنية بأن 1% فقط من الشعب الأردني متحمس للإنضمام للأحزاب، الأمر الذي يمكن اعتبار أن ما تم تخصيصه من كوتا للأحزاب في قانون الانتخاب كان قراراً متسرعاً، وبمثابة من يضع العربة أمام الحصان، بل أن ذلك  يُشكل مصادرةً مُسبقة للإرادة الشعبية، والذي لا بد أن تكون له انعكاسات سلبية جداً على نسبة المشاركة السياسية في الإنتخابات النيابية القادمة، وهذا ما يتنافى مع أبسط  أبجديات الديمقراطية. وفي هذا الإطار وطالما أن تشكيل الأحزاب مُتاح، فإن التساؤل مشروع، لماذا لم تترك الساحة السياسية  للجميع حزبين وغير حزبين للمنافسة على جميع مقاعد مجلس النواب، وإذا أثبتت الأحزاب جدارتها في الانتخابات فإن الحكومات البرلمانية تأتي بصورة طبيعية إذا كان هذا هو الهدف من عملية التحديث والإصلاح السياسي.  

وأخيراً فإن الأمر الذي يجب أن يكون واضحاً أن ما كشفه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وهو بيت خبرة أردني تحتضنه أكبر الجامعات الأردنية وأعرقها، حول القضايا العامة الراهنة يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار من قبل صانعي القرار لترشيد سياساته تجاه هذه القضايا، بدل التشكيك الممنهج بعمله في كل مرة لا تأتي نتائج عمله، وخاصة ذات الصلة باتجاهات الرأي العام الأردني بما لا يتفق وأجندة أي طرف، وخلاف ذلك يعني أن ما يطلق عليه بالإصلاح السياسي هو مجرد شعار خالٍ من أي مضمون حقيقي، خاصة إذا ترافق مع كثير من الأمور والاجراءات الحكومية الأخرى التي لا تتماشى وروح التحديث السياسي المنشود. 

(كاتب وباحث أردني)