النسخة الكاملة

تنفيذ توصيات اللجنة الملكية حول الإدارة المحلية

الخميس-2023-04-09 01:00 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم أ. د. ليث كمال نصراوين

شهدت الأسابيع الماضية حركة سياسية نشطة تخص الإدارات المحلية اللامركزية، حيث التقى جلالة الملك بعض رؤساء البلديات ورؤساء مجالس المحافظات في المملكة، واستمع إلى ملاحظاتهم والتحديات التي تواجههم. وقد أكد جلالته خلال الاجتماع أهمية هذه المجالس المحلية باعتبارها الأقرب للمواطنين والأكثر معرفة باحتياجاتهم اليومية. وفي نهاية الاجتماع، وجه جلالة الملك الحكومة لتشكيل لجنة لحل مشاكل البلديات التي عرضها الرؤساء أمامه.

إن هذا الاهتمام الملكي بإنجاح تجربة الإدارة اللامركزية في الأردن يجب أن يتم ترجمته على أرض الواقع. فعلى الرغم من أن فكرة مجالس المحافظات لم تعد حديثة وأنه قد جرى تطبيقها لمرتين اثنتين عامي 2017 و2022، إلا أن الواقع الإداري والفني لهذه الوحدات الإدارة المحلية المستحدثة لا يبشر بالخير. فالمواطن لم يلمس بعد التغيير المطلوب في مستوى الخدمات المحلية التي تقدم له، وأن العلاقة بين مجالس المحافظات والمجالس البلدية قد عجزت التشريعات الوطنية عن رسمها بطريقة تكاملية من حيث تحديد المهام والمسؤوليات الخاصة بكل منهم، وب?لشكل الذي يكفل قيام هذه الوحدات الإدارية بتقديم الخدمات المحلية، وتحقيق فكرة اللامركزية في الإدارة العامة.

ومن المظاهر التي تؤكد عدم نجاح فكرة اللامركزية الإدارية في الأردن حتى تاريخه، أن أعضاء مجلس النواب لا يزال يتم التعامل معهم على أساس أنهم «نواب خدمات»، حيث صدر القرار الحكومي قبل أيام بمنح كل عضو عدد من الإعفاءات الطبية الشهرية ليقوم بتسليمها إلى مستحقيها في دائرته الانتخابية.

فهذا التوجه الوزاري، الذي يثير تساؤلات حول الدور الدستوري المأمول من النائب والمتمثل بالتشريع والرقابة، يمكن للبعض تبريره على أساس أن الواقع الخدماتي المقدم للمواطنين في المحافظات في تراجع مستمر، والسبب غياب الإدارة المحلية القادرة على الاهتمام بالمؤسسات الصحية وتوفير الرعاية البدنية المناسبة للأفراد البعيدين عن العاصمة.

وأمام هذا الواقع الإداري المتراجع لمجالس البلديات والمحافظات، فإن الحاجة ماسة اليوم لإعادة تقييم تجربة اللامركزية الإدارية في الأردن وذلك ابتداء من النصوص التشريعية التي تحكم تشكيلها وممارستها لمهام عملها. فالتحديات الفنية والاقتصادية والإدارية التي تواجه هذه الإدارات المحلية يمكن التعاطي معها من خلال إيجاد قوانين خاصة قادرة على تطوير مناهج إدارتها، وتزويدها بالمِمكن والآليات القانونية المناسبة، والتي تكون من خلالها قادرة على القيام ولو بالحد الأدنى من الواجبات الملقاة على عاتقها.

وفي هذا السياق، يجب التذكير بأن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية قد أفردت في تقريرها النهائي المقدم منها إلى جلالة الملك فصلا خاصا بتطوير الإدارة المحلية، وأن جميع هذه المقترحات الهامة التي شارك في إعدادها نخبة من السياسيين والمختصين بشؤون الحكم الإداري المحلي لا تزال حبيسة الأدراج.

فقد تصادف إقرار هذه التوصيات مع صدور قانون الإدارة المحلية الحالي لعام 2022. بالتالي، لم يكن بالإمكان تضمين رؤى وأفكار اللجنة حول المرتكزات الأساسية النموذجية للإدارة المحلية في التشريع النافذ. فقد تركزت المقترحات المقدمة من اللجنة الملكية على ضرورة توسيع دائرة المشاركة الشعبية في إدارة الشؤون المحلية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية المحلية المنشودة، وترسيخ مبادئ الشفافية والحاكمية الرشيدة والمحاسبة في عمل الإدارات المحلية.

كما اقترحت اللجنة الملكية تكريس استقلالية الإدارات المحلية المنتخبة عن الوحدات المركزية في العاصمة من خلال إيجاد مجموعة من الآليات التي من شأنها أن تجعل علاقة البلديات ومجالس المحافظات بالوزارة المعنية قائمة على أساس الوصاية الإدارية وليس السلطة الرئاسية كما هو عليه الحال في القانون الحالي. واقترحت اللجنة أيضا تمكين المرأة والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة في صنع القرار على المستوى المحلي، وذلك من خلال اشتراط تمثيل معين لهم في المجالس المحلية المنتخبة.

إن جميع التوصيات التي اقترحتها اللجنة الملكية قد أثبتت نجاعتها وقدرتها على تحسين الواقع السياسي، وذلك ابتداء من التعديلات الدستورية لعام 2022 وقانوني الانتخاب والأحزاب السياسية. فهذه التشريعات المستحدثة قد أحدثت تغييرا سياسيا لا يجب أن يستهان به في الساحة المحلية، وبالأخص في مجال الأحزاب السياسية، حيث ظهرت أحزاب جديدة جرى تأسيسها، وقامت العديد من الأحزاب القائمة بتصويب أوضاعها، محققة بذلك الحد الأدنى من الأهداف التي سعى قانون الأحزاب الجديد إلى تحقيقها.

إن الاختلاف الشعبي والسياسي حول جدية الأحزاب المستحدثة وارتباطها بشخوص معينة لم تكن الحزبية ضمن أولوياتهم أثناء فترة عملهم العام، لا يغير من حقيقة أن ما اقترحته اللجنة الملكية من تحديثات مرتبطة بالحياة السياسية قد بدأت تظهر آثارها الإيجابية على الساحة المحلية، وهو الأمر المتوقع حدوثه في حال تنفيذ توصياتها المتعلقة بالإدارة المحلية.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير