النسخة الكاملة

هل سننجح في الإنتقال من مرحلة (الدكاكين) إلى العمل الحزبي الجاد ؟

الخميس-2023-03-15 11:27 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز – محمد ابو بكر 

في تسعينيات القرن الماضي ؛ قمت بالإتصال مع أمين عام أحد الأحزاب من أجل إرسال فاكس له يشتمل على مجموعة من الأسئلة للإجابة عليها ، فكان ردّه بعدم وجود فاكس للحزب ، راجيا منّي إرساله على رقم فاكس يتبع لمكتب عقاري جار للحزب .
وفي مرّة أخرى اتّصلت برقم هاتف لأحد الأحزاب ، فجاء الرد عبر الهاتف من سيّدة ، كان واضح من صوتها بأنها سيدة كبيرة في السنّ ، فأبلغتني بعدم وجود أحد ، وهذا الرقم خاص للمنزل ، وحين سألتها عن رقم هاتف الحزب ؛ أجابت بأن الحزب ( مسكّر ) والمفتاح مع السكرتيرة الموجودة في المستشفى لأنها على وشك الولادة !

وهناك أمثلة عديدة حول واقع تلك الأحزاب التي تشبه الدكاكين فعلا ، وقد نظلم الدكّان ، فالدكّان له العديد من الزبائن ، في حين أن العديد من الأحزاب ، حتى وقت قريب ، تفتقر إلى الزبائن أو ما يطلق عليهم أعضاء الحزب .

وحين كنت أطلب عنوانا لحزب ما ، كانت الإجابة .. شارع كذا ، قرب بقالة أبو محمود ، فالبقالة معروفة في الحيّ أو المنطقة أكثر من الحزب .
 
قد يعتقد البعض بأنّ ما ذكرته  سابقا هو نوع من الإساءة للعمل الحزبي أو التجنّي عليه ، غير أن ما ذكر هو أقلّ بكثير مما أعرفه عن واقع الأحزاب في ذلك الوقت ، فكاتب هذا التقرير كان صاحب دكانة ، عفوا ، أمينا عاما لأحد الأحزاب الدكاكينية ، وعندما وجد أن هذا العمل بات لا يجدي نفعا ، وهو كالحراثة في الماء ، استقال إلى غير رجعة .  

بدأ العمل الحزبي بخمسين مؤسسا ، كان ذلك في العام 1992 ، ثم جرى التعديل على قانون الأحزاب ، فارتفع العدد إلى خمسمائة مؤسس ، وكانت التوقعات تشير إلى إمكانية التحسّن والتقدّم في العمل الحزبي ، غير أن الوضع بقي على حاله ، وربما إلى الأسوأ ، والسبب الجوهري في ذلك أنّ غالبية المؤسسين الخمسمائة لا يعرفون شيئا عن حزبهم ، أو جرى استقطابهم بطرق قد تكون ملتوية نوعا ما .

كنت من أشدّ المعارضين لقانون الأحزاب الحالي ، غير أنني وجدت بأن المجتمع الأردني بحاجة لمثل هذا القانون ( الصعب ) ، فالكلّ يرغب برؤية عمل حزبي حقيقي على الساحة الأردنية بعد أكثر من ثلاثين عاما عجافا في هذا العمل ، الذي حان الوقت للتغيير فيه وبصورة تجبّ ما قبلها تماما .

غالبية الأحزاب كانت فعلا دكاكين ، وكنت أتمنى تطويرها ، وتتحوّل ، على الأقل ، إلى ميني ماركت ، وفي أحسن الأحوال إلى سوبرماركت ، حينها سيرتفع عدد الزبائن كثيرا ، غير أن الغالبية العظمى كانت قد ارتضت بالحالة ( الدكاكينية ) في ذلك الوقت .

اليوم ؛ نحن إزاء واقع جديد ومختلف ، فتصويب الوضع حسب القانون الجديد ليس هو النهاية ، بل هو البداية ، لأنّ التحدي الأكبر لدى الأحزاب التي ستنجح في تصويب أوضاعها أو تلك الجديدة ، هو الإنتخابات النيابية المقبلة ، ووجود القائمة الحزبية ، وأعتقد بأنّ الحزب الذي سيفشل في الوصول إلى المجلس النيابي ، إحترام نفسه ، واحترام المواطنين ، والإنسحاب بهدوء ، لأنّ الساحة لن تتسع لغير الأقوياء فقط .

وحين الحديث عن الأقوياء ؛ بات واضحا بأنّ العديد من القائمين على الأحزاب يدركون ذلك ، لأنّ الحزب الذي سيتمتع بثقل شعبي ستكون فرصته كبيرة في تحقيق أهدافه وإيصال مجموعة من النواب للبرلمان ، ومن خلال رؤية شاملة ، نرى بأنّ حزب الميثاق الوطني يسير بثقة كبيرة نحو إيجاد حالة حزبية راسخة تتمتع بقاعدة واسعة في مختلف أنحاء المملكة ، والأمر كذلك ينطبق على حزب إرادة الذي بذل القائمون عليه جهودا كبيرة وعلى مدى شهور عديدة لاستقطاب المنتسبين من كافة المناطق ، وبما يشير إلى أن الحزب قادم بقوة خلال الفترة القادمة .

كل ذلك ؛ لا ينتقص بالطبع من الأحزاب الأخرى التي نجحت في تصويب وضعها ، والتي نأمل أن تعي متطلبات وتحديات المرحلة القادمة ، وأن تدرك بأنه لا مجال للعودة إلى الوراء ، لأنّ المستقبل القادم هو للعمل الحزبي الجاد بعيدا عن الفردية والشخصنة التي يجب محوها من قاموسنا تماما .
 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير