جفرا نيوز
د. ليث كمال نصراوين
لا تزال الفكرة التي اقترحها رئيس مجلس النواب بأن يتم تفريغ النواب المنتخبين للعمل التشريعي والرقابي تلقى أصداء واسعة ومتعارضة. فهناك من يؤيد هذا المقترح باعتباره الحل الأمثل للتعامل مع أي شبهة تعارض بين المصالح المالية الخاصة بالنواب والأعمال البرلمانية، في حين يراه البعض بأنه غير منسجم مع حاجة النائب إلى مصادر دخل متعددة، لكي يتمكن من القيام بدوره التمثيلي لدائرته الانتخابية، والذي يعتبره البعض أنه يشكل عبئا ماليا عليه.
كما يتمسك النواب المعارضون لفكرة التفريغ بأن دورهم الخدماتي هو الأساس، وأن متابعتهم للشؤون المحلية لناخبيهم هي بمثابة تفرغ كامل للعمل النيابي. فهم يقضون ساعات طويلة وأيام متواصلة في السعي نحو حل المشاكل الخاصة بمناطقهم الانتخابية.
إن هذا الواقع النيابي لا يمكن لأحد أن يتنكر له. فعلى الرغم من التطورات التشريعية المرتبطة بالإدارة اللامركزية والمتمثلة في إقرار قانوني الإدارة المحلية وأمانة عمان الكبرى، لا تزال البلديات ومجالس المحافظات غير قادرة على تقديم الخدمات المحلية للمواطنين. فالتحديات المالية والإدارية والفنية التي تواجه هذه الإدارات المحلية الإقليمية تؤثر بشكل كبير في قدرتها على القيام بالحد الأدنى من الدور الخدماتي المأمول منها.
ومع ذلك، فإن أي قرار سيصدر بتفريغ أعضاء السلطة التشريعية سيكون بحاجة لسلسلة من التعديلات التشريعية التي ستبدأ بالدستور. فهناك العديد من النصوص الدستورية التي يجب مراجعتها لتكريس التفرغ التامل أعضاء مجلسي الأعيان والنواب.
ويأتي في مقدمة المواد الدستورية التي يجب تعديلها، نص المادة (76/ب) من الدستور التي تحظر الجمع بين العضوية في مجلسي الأعيان والنواب وأي وظيفة عامة يتقاضى شاغلها أي مبالغ من الأموال العامة. فهذا القيد على الوظائف العامة التي يحظر على عضو السلطة التشريعية شغلها يجب أن يتسع نطاقه ليشمل الأعمال والمهام الأخرى في القطاع الخاص.
كما يجب تعديل الفقرة (2) من المادة (76) من الدستور التي تعتبر ما يتقاضاه أعضاء مجلسي الأعيان والنواب هي مخصصات للعضوية. فالنائب أو العين الذي سيتفرغ للعمل النيابي يجب أن تتم معاملته كالوزير العامل من حيث حصوله على راتب شهري، وامتيازات أخرى تتمثل بالتقاعد المدني. وهذا سيستلزم بالضرورة تعديل المادة (7) من قانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 1959 وتعديلاته، التي تنص صراحة على أن مدة العضوية في مجلس الأمة لا تعتبر من الخدمات المقبولة لغايات التقاعد.
ومن النصوص الدستورية الأخرى التي يجب تعديلها في حال تقرر تفريغ النواب والأعيان، المادة (75/2) من الدستور التي تحدد شروط العضوية في السلطة التشريعية، والتي من أهمها ألا يتعاقد النائب والعين أثناء فترة عضويته مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة أو أي مؤسسة رسمية عامة، باستثناء ما كان من عقود استئجار الأراضي والأملاك، ومن كان مساهما أو شريكا في شركة بنسبة لا تزيد على (5%).
إن تطبيق الحظر التام على أعمال النواب والأعيان المالية الخاصة بهم وتفريغهم للعمل النيابي يستدعي بالضرورة توسيع نطاق القيد الوارد في هذا النص الدستوري فيما يخص العقود التي يمكن لأعضاء مجلس الأمة إبرامها، بحيث ينسحب هذا القيد على كافة العقود والاتفاقيات. كما يجب إلغاء العبارة الدستورية التي تسمح للنائب والعين أن يكون مساهما وشريكا في شركة تجارية وبنسبة معينة لغايات إجازة العقود المبرمة مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو الشركات التي تسيطر عليها الحكومة.
ومن التشريعات الأخرى التي يجب تعديلها لتطبيق فكرة التفرغ النيابي قانون الانتخاب الحالي رقم (4) لسنة 2022، الذي يتضمن بطبيعته الشروط المتعلقة بالعضوية في مجلس النواب كما وردت في المادة (75/2) من الدستور، وذلك فيما يخص العقود التجارية التي يحظر على النائب توقيعها، وتلك المسموحة بموجب القانون.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن قانون الانتخاب سيصبح اعتبارا من مجلس الأمة القادم ذو طبيعة دستورية، ومن القوانين الأساسية التي يُشترط لتعديلها موافقة ثلثي الأعضاء في مجلسي الأعيان والنواب. وهو الأمر الذي يجعل من تعديل قانون الانتخاب شبيها من حيث الأغلبية المطلوبة بتعديل الدستور.
وعليه، فإن التعديلات التشريعية المرتبطة بتفريغ النواب والتي ستبدأ من الدستور نفسه، ستقلل من فرص تطبيق هذا المقترح في القريب العاجل. فالدستور قد جرى تعديله لآخر مرة في عام 2022، وأن جزء من هذه التعديلات قد جاءت لتكريس الوضع القانوني للنائب بأنه يعمل بدوام جزئي غير متفرغ، وذلك عندما اشترطت سريان أي قرار يتعلق بزيادة مخصصات العضوية اعتبارا من مجلس النواب القادم.
وكذلك الحال بالنسبة للحكم الدستوري المتعلق بالعقود التي يمكن للنائب والعين أن يبرمها، حيث اشترطت المادة (75/2) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022 على عضو مجلس الأمة، ألا يتدخل في العقود التي تبرمها الشركات التي يكون مساهما أو شريكا فيها. وهو الحكم الذي كرّس فكرة العمل الجزئي لأعضاء مجلس الأمة.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية