ما بين تصريحين لجهتين مُختلفتين، أحدهما إيجابي، يدل على أن الإنسانية ما تزال موجودة في ضمير البعض، أكانوا مؤسسات أم مُنظمات أم بشرا، والآخر يؤكد وجود حقد دفين، يتزامن مع انعدام أخلاقي، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة أوضاعًا مأساوية، من تجويع وتعطيش وأمراض، جراء إبادة جماعية يشنها الكيان الصهيوني الغاصب.
الأول، مصدره مُنظمة أُممية مُهتمة بإنقاذ حياة أطفال العالم كافة، والدفاع عن حقوقهم والمُساعدة على تحقيق إمكاناتهم، أما الثاني لجماعة، مقرها بلاد الويلات والنكسات والنكبات (بريطانيا)، تدعي أن مهامها الحفاظ على حقوق الإنسان، أيًا كان مكان سكنه.
فالتصريح الأول (الإيجابي)، صاحبته مُنظمة الأُمم المُتحدة للطفولة (يونيسف)، يُسلط الضوء، ولو على خجل، على ما يُعانيه الغزيون، وسط صمت دولي، لم يشهد العالم له مثيلًا، حيث أكدت هذه المُنظمة "أن 90 بالمائة من سكان قطاع غزة يُعانون من أجل الحصول على مياه صالحة للشرب”.
مُنظمة (يونيسف)، كانت وما تزال شاهدة عيان على الكثير من الدمار والتهجير والمجاعات التي تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين، ها هي تُصرح علنًا، وعلى مسمع العالم أجمع، بأن المياه الصالحة للشرب في غزة، باتت من المُستحيلات.. وكأنه ينطبق عليها قول المثل الشعبي: "من فمه أدينه”.
لقد كانت هذه المُنظمة خجولة جدًا في اتخاذ موقف واضح، بلا مواربة أو مُجاملات، تجاه عدوان عسكري همجي، يتعرض له الفلسطينيين في قطاع غزة، وما تبعه من حصار خانق، وتجويع، فضلًا عن انتشار الأمراض بين سكان القطاع، أو كأنها تناست أو أغمضت عينيها عن كُل ذلك.. لكنها هذه المرة صدحت بأعلى صوتها، حول مُعاناة الغزيين في الحصول على مياه صالحة للشرب، وإن جاء مُتأخرًا.
بعد 53 ألف شهيد، جُلهم أطفال ونساء، وما يقُرب من 120 ألف جريح ومُصاب، ونحو 11 ألف مفقود، وتدمير الحجر والشجر والبُنى التحتية، والتسبُب في مجاعة شديدة، جاء الآن دور المياه الصالحة للشرب، والتي باتت حُلمًا لكُل إنسان يعيش على أرض غزة.. وحتى لا نظلم مُنظمة (يونيسف)، فنحن أبناء الأُمة العربية والإسلامية "مقصرون” أيضًا، فالتاريخ والأجيال المُقبلة لن ترحمنا، ولن تتقبل أعذارًا حول عدم استطاعتنا إيصال مياه شرب إلى أطفال غزة.
أما التصريح الثاني (السلبي)، ونشرته صحيفة "الغارديان”، لجماعة لوبي مؤيد للاحتلال الإسرائيلي تُطلق على نفسها "مُحامون بريطانيون من أجل إسرائيل”، والذي يتمثل بـ”أن تجويع سكان غزة هو وسيلة للقضاء على السُمنة بين السكان”، ويدعون أن العدو "رحيم” عندما "يفرض نظامًا غذائيًا إجباريًا على 2.3 مليون فلسطيني لتقليل مُستويات السُمنة”
.
تخيل عزيزي القارئ، بأن بُعيد تلك الويلات التي تعرض لها الغزيون على مدار نحو 19 شهرًا، ومن قبلها حصار منذ العام 2005، تطل برأسها "جماعة”، بتصريح أقل ما يُقال عنه بأنه "مُقزز” أو "مُقرف”، قائم على الاستهزاء، واسترخاص الإنسان الفلسطيني، ويزعمون بكل وقاحة أنهم مهتمون بـ”سُمنة” الغزيين، أما القتل والدمار الذي يعيشونه، فهو بنظرهم أقل من عادي، وكأنهم غير بشر.
تصريح يدل على أن العالم "الحُر”، الذي يدعي أنه ديمقراطي، وناصر للمظلوم، ومُدافع عن حقوقه، ينزل إلى أدنى درجات الحضيض من الخسة والنذالة.. تضريح يُعبر عن افتقارهم للإنسانية والأخلاق، إذ إن مجرد الصمت على ما تقترفه آلة البطش الصهيونية، يُعتبر مثلبًا، ويضرب المروءة والنخوة في مقتل، فما بالك عندما يتلفظون بتصريحات، أساسها الاستهزاء، وتحريم عيش الغزيين.
ألهذه الدرجة وصل الدم العربي من الاستخفاف به؟، وهل وصل العالم إلى درجة من الانحطاط، بات يُبرر معها "إبادة غزة”؟ ويُطلق على عمليات تجويع الغزيين، بأنها لمصلحتهم كي يتخلصوا من السُّمنة!.