النسخة الكاملة

النفاق والمجاملة!!!!

الخميس-2023-02-20 10:57 am
جفرا نيوز -

جفرا  نيوز :الدكتور ؛ ابراهيم العابد العبادي- لندن 

قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)، «سورة المنافقون: الآية 1»،
وقال تعالى: (... إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)، «سورة النساء: الآية 140». 
وقوله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)، «سورة النساء: الآية 145»،
رغم التحذير الإلهي من النفاق أشد تحذير، وورود آيات كثيرة تتحدث عن النفاق والمنافقين، نجد أن الأمر أصبح متداول بمواقع واشكال كثيرة. ما دفع لتناول الموضوع، هو الخلط الكبير بين مفهومي المجاملة والنفاق،
فالنفاق لغةٍ ؛هو إظهار الإنسان غير ما يبطن…أمّا شرعًا : فهو إظهارُ الخير وإسرار الشّرِّ…..والمُنافق هو مَن يُخالِف قولَهُ فعلَه، وسِرَّهُ علانيّتَه، ومَشهده مَغيبه…. وأنواعهُ عديدة ومتباينة منها: نفاقٌ اعتقاديٌّ، ونفاقٌ عمليٌّ، ونفاقٌ أكبر؛ وهو المُخرج من الملّة، أمّا النفاقُ الأصغرُ فهو الذي لا يُخرج صاحبَه من الملّة.
وأحد انواع او اشكال النفاق هو القائم على المدح المبالغ فيه، وهي ظاهرة ليست حديثة أو مستحدثة بل قديمة ارتبطت بالانسان والعلاقات بين البشر منذ بدء الخليقة…ومنه ما جاء لترزق والحصول على العطايا والمناصب ومنها ما جاء على شكل طرائف أو تهكم  ما زالت خالدة ومتبادلة في الأدب العربي خالدة منذ العصر الجاهلي وعبر الخلافات الاسلامية الأموية والعباسية وحتى عصر المماليك وما بعد ذلك الى الادب العربي المعاصر والحديث. 
ومن أبرز أبياتِ  شعر النِّفاق الطريفة، بيتٌ شعريٌ يُنسب خطأً للشاعر  ابو الطيب المتنبي، رغم أن المصادر التاريخية ترجح أن  قائله هو الشاعرُ…( محمد بن عاصم ) مادحًا …كافورا الإخشيدي بُعّيد حدوثِ زلزال في مصر، قال:
ما زُلزلت مِصرُ من كَيدٍ ألمَّ بها....... 
بل رقصت من عَدلِكم طَرَبا….
ولم يتوقف هذا النِّفاقُ على هذه الصورة الشعرية المبالغ فيها، بل وصل الحالُ ببعضِ الشعراءِ أنَّهم معاذ الله من افعالهم،  انتهكوا القُدسية  والذات الإلهية وتوظيف النصوص القرآنية وغيرها، ومثال ذلك ما فعلَ  أو وَردَ أو نُسب للشاعرُ، (ابن هانئ الأندلسي)، وهو يمدح الخليفة الفاطمي، المعز لدين الله، والغريب أن الخليفةَ لم يستأ من هذا المدح، بل انتشى طربًا على وقع هذه الأبيات التالية:
 ما شئتَ، لا ما شاءتْ الأقدارُ.... فاحكم فأنتَ الواحدُ القهَّار.
وكأنما أنتَ النبيُ محمدٌ....... وكأنما أنصارُك الأنصارُ.
أنت الذي كانت تبشِّرنا به....... في كتبها الأخبارُ والأحبارُ.
وصور واشكال مدح النفاق لم تتوقف عند حدود المدح والنفاق الفردي متمثلًا بالملوك والامراء والزعماء والقادة العظام، او ما يسمى بصورة النفس الفردية، بل تجاوز الى حدود النحت بالصورة، ومنها الفخر بالقبيلة والعشيرة، ومثال ذلك قول الشاعر (بشار بن برد)  مفتخرا بقبيلته، مُضَر:
إذا غضبنا غَضبةً مُضريةً ..... هتكْنا حجابَ الشمسِ أو قطَّرتْ دَمَا.
إذا ما أعرنا سيدا في قبيلةٍ …ذُرا مِنبرٍ صلَّى علينا وسلما.
وكذلك قول شاعر الجاهلية، عمرُ بن كلثوم  الذي يعتبر عميدَ شعراء الفخر، وقد أرسى قواعد الفخر بخاصتين في قبيلته وهما (كثرة العدد، والنفوذ والسطوة)، اذ يقول:
ملأنا البرَّ حتى ضاقَ عنَّا..وظهرُ البحرِ نملؤوه سفينا.
إذا بلغَ الفِطامَ لنا صبيٌّ...تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا.
اما المٌجاملة: فهي أن يعمل أحدهم شيئا لا يكون قاصدًا أن يفعله. لكن الخط الرفيع الفاصل بينهما اضحى يقود نحو مصطلح أوسع نطاقًا يسمى النفاق الاجتماعي .. والذي في معظمه لا يرتقى أو يصل لحدود النفاق الديني…مثل أن يظهر المرء فيه الإسلام ويبطن فيه الكفر، بل هو يتعلَّق بسلوك اجتماعي، وعلاقات فردية، وأمراض اجتماعية .. تؤثر بقوة المجتمع وتماسك أفراده ، ويظهر خطره في أن النفاق عمومًا مذموم ومنبوذ، والمنافقون مكروهون مزيفون، ختامًا نرجو الله أن يوفق الجميع يجاهد في جعل أعماله وأقواله في الظاهر والباطن واحدة، ويبتعد عن التظاهر والتدليس في حياته…. جعلنا الله ممن لا يدالس ولا يوالس: (لا يظلم ولا يخون)…..حمى الله الاردن أرض الحشد والرباط…حمى الله الوطن.