فعل ماكنة "الدبلوماسية البرلمانية" وكسر الجمود مع تنظيمات سياسية مناوءة للعلاقة الاردنية العراقية
جفرا نيوز - كتب-عمر المحارمة
في إختباره الحقيقي الاول تحت قبة البرلمان كرئيس لمجلس النواب نجح البرلماني المخضرم أحمد الصفدي في تقديم نفسه كشخص واثق وقادر على قيادة دفة البرلمان بحرفية واقتدار.
الصفدي ورغم حفلة توزيع "الاعتذارات" التي شهدتها جلسات الموازنة، نزع فتيل "المفخخات الشعبوية" التي غالبا ما تحفل بها مناقشات الموازنة والثقة بالحكومة، خصوصا وأن غالبية اعضاء مجلس النواب يميلون الى الرأي القائل أن هذه قد تكون الدورة العادية الأخيرة لمجلس النواب التاسع عشر.
الصفدي لم يكن مضطرا في أي لحظة للاشتباك مع أي من النواب كما يحدث بالعادة، وخرج من مارثون الموازنة "راضيا مرضيا، وربما مرضي عنه" حيث استطاع احتواء الجميع وصد بعض النقد النيابي لرئيس الحكومة نتيجة غيابه عن أجزاء من الجلسات، وكان حاسما في التصدي لاعتداء أحد النواب على وزير العدل في ردهات المجلس وأحال الملف الى اللجنة القانونية بوصفها لجنة السلوك رغم أن النائب المقصود من المحسوبين عليه.
عديد المواقف والسجالات التي حدثت تحت القبة او في أروقة المجلس أعطت إنطباعا بأن الصفدي "رئيس غير تقليدي" على الرغم من مراهنة الكثيرين على أن تجربته لن تكون ناجحة قياسا بعمق التجربة السياسية والفكرية للصفدي.
الصفدي قبل إختبار الموازنة كان يعيد انتاج "الدبلوماسية الشعبية" الاردنية في ثلاث محطات خارجية "بغداد، الجزائر، القاهرة"، سجل فيها حضورا لافتا ونجاحا كبيرا خصوصا في المحطة الاولى منها حيث كان الصفدي على رأس وفد نيابي عريض الى العاصمة العراقية بغداد التي فتح فيها خطوط اتصال مع جميع مكونات واطياف التركيبة السياسية العراقية.
هذه الزيارة أعتبرت بوابة الانخراط النيابي في مجالات تعزيز التعاون الإقليمي والعالمي، التي قد تستطيع تمهيد الطريق أمام المنظومة الرسمية عبر خلق لوبيات داعمة للمصالح المشتركة بين الأردن ودول الاقليم والعالم، وهو ما نجح فيه الصفدي بشكل كبير في العراق حتى في أوساط المكونات السياسية العراقية المناوئة للأردن أو لنقل المنحازة لعلاقة خاصة بين العراق وأيران على حساب جيرانه العرب.
فقد حرص الصفدي على لقاء زعماء التيار الشيعي المحسوبين على ايران في العراق وأهمهم رئيس "تحالف الفتح العراقي" هادي العامري، ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، وأمين عام حركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، والذين صدر عنهم كلام هام يبنى عليه حول العلاقة مع الأردن والاشادة بدوره الاقليمي، خصوصا في الملف الفلسطيني والحرب على الارهاب ودعم العملية السياسية في العراق.
الوفد البرلماني الأردني ورؤساء الكتل قدموا صورة مشرقة عن الأردن –وفق حديث للصفدي عقب عودته من بغداد-، وشروحات وقراءات وافية عن جدوى المشاريع المشتركة بين البلدين والعائد بالنفع منها على شعبينا الشقيقين فقدموا في كل لقاءٍ أداءً سياسياً رفيعاً، وقراءةً وتحليلاً اقتصادياً موثقاً بالأرقام والأدلة والبراهين واستطعنا تغيير الكثير من المفاهيم والمواقف الغامضة لدى الجانب العراقي.
هذا النوع من الدبلوماسية –الشعبية او البرلمانية- هو في الحقيقة قوة ناعمة للأردن يمكن توظيفها لخدمة مصالحه وهو دور قلما كان يلعبه مجلس النواب في السابق الذي بقي تركيزه دوما على المهام التشريعية، والرقابة على السلطة التنفيذية، وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد.
بعد زيارة الصفدي الى بغداد ولقاءه والوفد المرافق بكل المكونات السياسية العراقية أصبحت الكرة في مرمى الحكومة التي يتوجب عليها إستثمار هذا كله في تصليب قواعد التعاون الاستثماري والاقتصادي والتجاري بين عمان وبغداد، رغم أن جهود الصفدي ومن قبله الجهود الحكومية تبقى رهينة بتأثير اللوبي الإيراني في المعادلة العراقية.
الصفدي حتى اللحظة اعتمد أسلوب غير تقليدي في أداء دوره، ويبدو أنه فكر خارج الصندوق ووضع لنفسة آلية قادرة على كسر الصورة النمطية عن مجلس النواب، فالرجل بقي قريبا من اللجان، وانفتح بشكل افقي وطولي على زملائه في المجلس دون وضع محددات مسبقة على قاعدة الفكر السياسي او القرب الشخصي، كما كان حريصا على الاستماع للمواطنين والمسؤولين، والتفاعل مع القضايا الملحة سواء داخليا أو أقليميا، وهو ينتهج اسلوب يشي بالتزام مطلق بتعزيز الحوار وتعزيز الشمولية داخل المجلس.
هذا النهج من شأنه أن يعيد بناء صورة مجلس النواب، وتعزيز الثقة الشعبية فيه خصوصا اذا تمكن الصفدي من بناء الثقة والاحترام بين البرلمانيين واستطاع خلق بيئة عمل أكثر تعاونًا وإنتاجية، ووضع خطوطا واضحة لمسألة التعاون مع السلطة التنفيذية بحيث لا يسمح بتداخل خطوط عمل السلطتين على بعضهما البعض، بحيث يعيد توضيح خطوط الفصل بينهما.