هل يوجد لدينا معارضة « خارجية « منظمة، ام ان الذين تصلنا اصواتهم ورسائلهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، مواطنون اردنيون يعارضون من الخارج..؟
الاجابة عن هذا السؤال تحتاج للتذكير بمسألتين : الاولى ان الاردن تاريخيا لم يشهد وجود معارضة خارجية منذ تأسيسه، صحيح ان بعض الاردنيين خرجوا غاضبين من بلدهم في فترات مختلفة، وانضم بعضهم الى تنظيمات، او تعاطفوا مع انظمة كان لها مواقف عدائية مع الاردن، لكنهم لم ينتظموا في اطار أو تنظيم معارض، كما انهم لم يشكلوا مجموعات معارضة منظمة، ما حدث انهم كانوا يمارسون انتقادهم للاوضاع السياسية الاردنية من البلاد التي هاجروا اليها، ثم عادوا للاردن بمبادرات من النظام السياسي، بعضهم بقي معارضا، فيما اندمج الاخرون بالعملية السياسية، وتبوأوا أعلى المواقع في ادارات الدولة.
اما المسألة الاخرى فهي ان طبيعة النظام السياسي الاردني تتناقض تماما مع امكانية ( مشروعية : ان شئت ) تشكل اي معارضة منظمة في الخارج، ليس فقط لان مساحة الحريات الكفيلة بممارسة المعارضة من الداخل متاحة الى درجة ما، او لأن «الاعراف « السياسية والاجتماعية ترفض وجود مثل هذه المعارضة التي غالبا ما تفتح الذاكرة الشعبية على فكرة الاستقواء بالاجنبي، وعلى تجارب مشبوهة لمعارضات اخرى ركبت موجة الآخر فقادت اوطانها الى الدمار، وانما، ايضا، لأن قيم الدولة الاردنية، وطبيعة النظام السياسي الاردني، تتسم في علاقتها مع المعارضة في الداخل بالمرونة والسماحة والاعتدال، ما ينزع عن أية معارضة قد تتشكل خارجيا مستلزمات مشروعيتها وصدقيتها، وتفقدها اي تعاطف لدى الأردنيين.
إذا اتفقنا على ذلك، فإن ما نسمعه من بعض الأردنيين الذين يقيمون في الخارج، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي او المنصات الاعلامية والسياسية، لا يخرج عن اطار « التعبير عن الرأي «، سواء بدافع الغضب والانتقام، او البحث عن الشهرة والمال، او القيام بدور ما لجهة ما، او للابتزاز.. الخ، يمكن بالطبع ان نختلف معهم او نشكك فيما يطرحونه من معلومات، او ربما نتفق معها ونتناقش حولها، كما يمكن ان نصنف هؤلاء على مسطرة المصداقية وفق درجات مختلفة، يحددها الجمهور بالتجربة وبما يمتلكه من قدرة على التمييز والفرز بين الغث والسمين.
بمعنى آخر، لدينا أردنيون يعارضون السياسات الحكومية من الخارج، لكنهم يتحدثون – في الغالب - من داخل الدولة، وإن تجاوزوا الخطوط الحمراء، او جنحوا بعيدا وغرّدوا خارج السرب، كما ان لدينا مواطنين أردنيين يعارضون هذه السياسات من الداخل، سواء عبر منصات الإعلام او في ساحات الاحتجاج، او من خلال الأحزاب والبرلمان.
الفارق بينهم ان هؤلاء الذين يقيمون في الخارج، قد تصلهم معلومات او تسريبات من مصادر مختلفة ( لا نعرفها)، تتيح لهم انتزاع اهتمام الجمهور الذي يبحث في العادة عن اية معلومة جديدة تتعلق بالشأن العام، فيما لا يمتلك من يعارض من الداخل هذه الميزة، وان امتلكها، احيانا، فإنه لا يستطيع ان يتصرف بها او يستخدمها بحرية، الا اذا كان لديه ما يلزم من جرأة تمكنه من فعل ذلك.
لا يجوز لأحد أن يشكك بوطنية أي أردني لمجرد أنه عارض السياسات الحكومية، فهذا حق مشروع دستوريا واخلاقيا، لكن لا بد من التمييز بين معارضة السياسات العامة وأداء إدارات الدولة، وبين معارضة الدولة والمس بالصالح العام، او محاولة تهشيم الثوابت والنواميس الوطنية، كما لا بد من التدقيق فيما يصلنا من معلومات، والمصادر التي تسربها، ثم الانتباه الى ما تحمله بعض هذه الأخبار من «أجندات»، لفهمها والتعامل معها بوعي، لكي نفوّت الفرصة على مثل هذه «الزخ» الإعلامي الذي يحاول إرباك او تشتيت الرأي العام، أو الذي يمتطي أصحابه مركب المعارضة بالنيابة عن «القوى» التي تتصارع على مصالحها، سواء بالداخل او بالخارج.
لهذا كله، يفترض ان يكون لدينا خطة إعلامية ذكية، تتولى مهمة تصحيح ما يصلنا من معلومات والرد عليها، ناهيك عن فتح قنوات تدفق المعلومات أمام الجمهور، إضافة الى تقديم الرواية الرسمية للدولة بشفافية وبسرعة وبصورة مقنعة، وذلك لاستعادة ثقة الناس بمؤسساتهم، وملء الفراغ الذي تتسلل إليه الأخبار والمعلومات الوافدة من مصادر خارجية معروفة، أو مجهولة.
يبقى سوال آخر. هل يوجد لدينا معارضة داخلية؟الإجابة غدا إن شاء الله.