جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب موسى العجارمة
الولوج والتحول والانغمار في الحياة السياسية تحت سماء المملكة الأردنية الهاشمية لا يكتمل إلا في وجود قواعد أساسية ثابتة لا بد من صياغتها وتصويبها في المدارس والجامعات والمجتمع الأردني؛ لمواجهة واقعٍ مفروض يحمل دلالات حقيقية سامية للنهوض والارتقاء بالمنظومة السياسية التي ترتبط بشكلٍ وثيقٍ بعملية الإصلاح الاقتصادي، من أجل الانسجام والسير قدماً لمستقبلٍ جديدٍ بغية تحقيق الآمال والطموحات لصناعة سردية جديدة تحاكي أحداث حقبة خمسينيات القرن الماضي التي كانت بوتقة جديرة بخلق حالة حزبية عميقة شكلت سابقة لن تتكرر بوجود أول حكومة برلمانية في تاريخ الدولة الأردنية.
مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية حققت حالة تكاملية إبداعية عالجت الشوائب وواجهت المعضلات من خلال قوانين مسؤولة وضعت عامل التغيير عنواناً عريضاً في غرتها، وحذت حذو الجدية المتناهية لخلق حالة سياسية كاملة الأركان والمفاهيم، وصولاً لتعديلات دستورية لبت طموحات مؤجلة طال انتظارها منذ سنوات طويلة، إلا أن المشكلة الحقيقية التي تقف اليوم أمام مرحلة تنفيذ هذه المخرجات عالقة بفوضى الأفكار المجتمعية التي تقوقعت بفوبيا الرهبة والريبة من تاريخ كان شاهد عيان على الأحكام العرفية التي قطعت أوصال الحياة السياسية وجعلت العمل الحزبي في نظر الثقافة المجتمعية بمثابة شبهة وجنحة وجناية ما تزال تداعياتها قائمة حتى هذه اللحظة.
قانون الأحزاب الجديد عالج الشوائب بأكملها من خلال مواد قانونية وقفت بصالح الأحزاب وأسهمت بتذليل العقبات كافة وأقامت طريقاً اسفلتيًا شديد البنية للوصول إلى حالة حزبية مكتملة الأركان، إلا أن البعض اعتقد أن تأسيس الأحزاب الجديدة هي الوسيلة الفاعلة لتطبيق هذه المخرجات على أرض الواقع، ولا سيما بأن بعضها جاء كنوع من "المجاملة والفزعة والبرستيج" للبقاء في معركة إثبات الوجود تحت ذريعة دعم الشباب الأردني الغارق في الصعوبات، والمعيقات التي جعلته يتعربش على كامل السبل العابرة في حياته من أجل الاستيقاظ من كابوسه المؤلم.
المعطيات الحالية ترتب مسؤولية بالغة الأهمية على السلطة التنفيذية من أجل تطبيق مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية على مصرعيها في جميع الأطياف المجتمعية دون استثناء، في ضوء الثقافة السائدة لعملية الانتخابات والممارسة الحزبية وتمكين المرأة والمشاركة الشبابية مع الأخذ بعين الاعتبار الدراسة التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية قبل عام والتي كشفت عن نسبة (68%) من الأردنيين الذين لم يثقوا بهذه اللجنة، معتقداً أن الأسباب تُعول على العوامل الماضية التي أطرت وحددت عملية التنمية السياسية تاريخياً بجانب قلة الثقافة المجتمعية وزوال ثقة المواطن بسبل التغيير بسبب الظروف المعيشية التي يعاني منها، فضلاً عن قلة الندوات والورش والمحاضرات "غير التقليدية" التي لم يتم تقديمها بالشكل الكافي في الجامعات والمدارس وبين أفراد المجتمع لتعزيز عملية الإصلاح.
السؤال القوي اليوم، كيف نطلب من شاب أردني يعاني من ظروف وخيمة بالانضمام للأحزاب السياسية؟ وكان يوم أمس يبرم وثيقة تعهد بعدم ممارسة أعمال حزبية داخل الحرم الجامعي، هل تعديل النصوص القانونية كافي باعتقاد الحكومة الأردنية!، وكيف نطلب من شاب يبلغ من العمر 25 عامًا الترشح للانتخابات النيابية، التي ارتبطت في العقود الأخيرة بمصطلح القرابة والفزعة "وكبير العيلة" وصولاً للمال الأسود؟، أليس ذلك تناقضًا صارخاً ومؤلماً يحد من الطموحات، ويتنافى مع عملية الإصلاح السياسي، هل تعتقد الحكومة أن المهمة انتهت عقب مخرجات اللجنة الملكية وصدور القوانين الجديدة في الجريدة الرسمية، ودخولها حيز التنفيذ أمر كافي ووافي، أليس هناك ضرورة كبيرة لإعادة تأهيل المجتمع؟.
عندما نشر قبل أيام مقاطع فيديو رصدت تجاوزات عملية انتخابات مجالس الطلبة في المدارس منها شراء أصوات بنصف دينار بين طلبة المدارس وشعارات غريبة ارتبطت بإلغاء الحصة الدراسية الأخيرة في البرامج الانتخابية للطلبة. فالجميع تداول الموضوع بسخرية وفكاهة ولم يكن يعلم مدى خطورة هذه المسألة التي تعكس ثقافة مجتمعية سائدة تغولت على الأفكار واستوطنت في القناة التأسيسية الأولى (المدرسة)، ما يعني أن الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم تجاهلت أهمية ترسيخ المفاهيم الصادقة في قلوب الأطفال واليافعين من خلال الدورات والورش والمحاضرات التثقيفية والخروج عن الشكل التقليدي وتعزيز مفهوم عملية الإصلاح والانخراط بالأحزاب على شكل أحزاب مدرسية وصفية بمشاركة أولياء الأمور للتخلص من الثقافة المجتمعية والنظرة السائدة عن الأحزاب.
ويتوجب على رؤساء الجامعات التي تتمتع باستقلالية مالية وإدارية، بتعزيز ثقافة الأحزاب وعملية الإصلاح ككل وترسيخ المفاهيم الصحيحة في الطلبة والابتعاد عن الكلام الإنشائي وتقديم حوافز حقيقية وتخصيص أنشطة ضمن المساقات الدراسية؛ ليكون الطالب مجبراً على الانخراط فيها، لضمان تحقيق خبرة متراكمة يعي أهميتها القاصي والداني، لتصبح طموحات الشباب أكثر نضوجاً لخلق واقعاً جديداً.
في الختام، لابد التنويه بأن مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية عالقة في مرحلة التطبيق الواقعي؛ لكون مصطلح النخب السياسية أكبر شماعة للتنصل من المسؤولية، فهذه المخرجات للأردنيين جميعاً دون استثناء، والثقافة المجتمعية السائدة تقف عائقاً بوجه هذا المشروع الإبداعي الحيوي والتنويري، مما يتوجب على السلطة التنفيذية التصدي لمثل هذه التحديات عاجلاً وليس آجلاً تحسباً ببقاء هذه المخرجات للنخب السياسية كما يتوهم البعض دون الاستفادة من هذه المخرجات التي حاصرتها الثقافة المجتمعية، بالإشارة إلى المسؤولية الأخلاقية المناطة بمؤسسات المجتمع المدني والسلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب لتقديم الورش والندوات والدورات للفئات الشبابية، بجانب مجلس الأعيان الذي قدم مؤتمر الحواري الوطني الموجه للشباب والذي غرد القائمون عليه خارج السرب، ولكن بكل أسف ما تزال مخرجاته حبيسة في أدراج مكتب رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة حتى هذه اللحظة.