النسخة الكاملة

كيف يؤثر التوظيف السياسي للأحداث في الأراضي الفلسطينية على الأردن؟

الخميس-2022-08-18 04:57 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم حازم سالم الضمور - ستراتجيكس -  شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، أحداثاً متسارعة منذ مطلع أغسطس 2022، الذي كان مشحوناً في أجوائه السياسية والأمنية والحزبية، حيث قامت إسرائيل بتنفيذ سلسلة عمليات عسكرية موجهة أساساً لحركة "الجهاد الإسلامي" ومجموعة من المسلحين الفلسطينيين، بدأتها باعتقال القيادي في الحركة بسام السعدي في مخيم جنين، واغتيال القيادي في كتائب "شهداء الأقصى" إبراهيم النابلسي في مدينة نابلس، مروراً باغتيال قادة المنطقتين الجنوبية والشمالية في "سرايا القدس" الذراع المُسلح لحركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.

بموازاة ذلك شهدت الحالة الداخلية الفلسطينية في الضفة الغربية تطورات متسارعة تمثلت بصدور مرسوم من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بحل مجلس أمناء جامعة الاستقلال الأمنية في أريحا الذي يرأسه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، توفيق الطيراوي، ثم تشكيل مجلس أمناء جديد للجامعة استثنى الطيراوي، برئاسة الفريق الحاج إسماعيل جبر، نائب القائد الأعلى لقوى الأمن الفلسطينية، وعضوية مجموعة من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة فتح، وقادة أهم الأجهزة الأمنية (الأمن الوطني، الأمن الوقائي، المخابرات العامة، الشرطة، الاستخبارات العسكرية، هيئة التنظيم والإدارة) بالإضافة إلى وزير الداخلية ومحافظ رام الله والبيرة، ومستشار الرئيس عباس القانوني.

كل ذلك يأتي، في ظل حالة من "الاستنفار" السياسي والحزبي في الساحة الإسرائيلية قبيل أسابيع من إجراء الانتخابات المبكرة للكنيست الإسرائيلي، حيث تشهد تلك الساحة إجراء الانتخابات الداخلية للأحزاب الإسرائيلية لاختيار مرشحيها للكنيست، واشتداد المنافسة بين معسكر الائتلاف الحالي الحاكم ومعسكر المعارضة بزعامة نتنياهو، وكلاهما يتنافسان لحصد أصوات الناخبين من اليمين والمستوطنين في الدرجة الأولى.

السعي لضمان "المستقبل السياسي"

بناء على كل ما سبق، يظهر قاسم مشترك تلتقي عنده تلك الأحداث المستمرة، وهو السعي لضمان "المستقبل السياسي" للجهات الفاعلة الرئيسية الثلاث في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، مُمثلة بالحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة يائير لبيد، والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وحركة حماس برئاسة إسماعيل هنية.

في الجانب الإسرائيلي، يشكّل التصعيد الموجه ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة بشكل عام، وضد حركة "الجهاد الإسلامي" والمسلحين الفلسطينيين في جنين وغزة ونابلس بشكل خاص، ساحة لتجاوز الحالة الهشة التي رافقت تجربة الائتلاف الحكومي القصيرة، وفرصة لإثبات "الجدية" في مواجهة المخاطر الأمنية، ومناورة لاسترضاء جمهور اليمين والمستوطنين، وربط ذلك كله بهاجس "الإرهاب" المزمن الذي تمثله الآن حركة "الجهاد الإسلامي" المقربة من إيران وحزب الله، من أجل ضمان أكبر فرصة لعودة ائتلاف "بينت – لبيد- غانتس" إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، وقطع الطريق على معسكر اليمين الآخر وطموحات نتنياهو للعودة إلى رئاسة الحكومة.

في الجانب الفلسطيني الرسمي، يبرز سؤال "ما هو مستقبل السلطة الفلسطينية السياسي؟" كمحدد رئيس للتطورات الداخلية، في ظل انعدام الأفق السياسي المتعلق بالمفاوضات مع إسرائيل، واستمرار الإجراءات الإسرائيلية في تعزيز الاستيطان ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما يكاد يقضي على إمكانية "حل الدولتين" بشكل لا رجعة فيه، رغم أن ذلك الحل شكّل الأساس السياسي والقانوني الذي تم تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو بالاستناد إليه، بالإضافة إلى أنّ مستقبل السلطة الفلسطينية السياسي يأخذ منحى أكثر حساسية حين يتعلق بسؤال مصير السلطة في مرحلة ما بعد رئيسها محمود عباس.

أما في الجانب الفلسطيني غير الرسمي، تبدو مصلحة حركة "حماس" في قطاع غزة، في الحفاظ على "كيانها" السياسي بوصفه بوابتها الأهم للعب دور سياسي فاعل ومؤثر في النظام السياسي الفلسطيني بشكل خاص، وفي الإقليم بشكل عام، وهي بوابة تستلزم القيام بدور "السلطة" السياسية الحازمة في ضبطها للأوضاع الأمنية والسيطرة على التنظيمات والمجموعات المسلحة، وتحديداً بعد استنفاذ بوابة "المقاومة المسلحة" لدورها في تعزيز النفوذ السياسي، وهذا ما فعلته حماس تماماً بموقفها من الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لحركة الجهاد الإسلامي، حين عملت على إعادة تشكيل معادلات "الرد" العسكري المحدود في ضوء ضوابطها الجديدة، مع الالتزام بعدم "التورط" في ذلك الرد.

وهذا ما أشارت إليه ورقة نشرها موقع ستراتيجيكس بعنوان: "مرحلة جديدة في مشروع حماس السياسي"

التأسيس لحالة جديدة من التفاهمات

القاسم السياسي المشترك لسلسلة الأحداث الأخيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، لن يكون حالة مؤقتة بقدر ما يؤسس لحالة جديدة من التفاهمات الضمنية ما بين الأطراف الثلاثة الفاعلة (السلطة الفلسطينية، وحركة حماس، والحكومة الإسرائيلية)، وهي تفاهمات سيكون تثبيت التعريف الجديد للمقاومة المسموحة، واحد من أهم أركانها في الحالة الفلسطينية، وهو تعريف قطعت السلطة الفلسطينية فيه شوطاً كبيراً من خلال تبني نموذج المقاومة الشعبية السلمية "الموسمية" محدودة التأثير، وبقي أن تتبناه "حماس" بشكل أكثر وضوحاً وجدية من أجل ضمان شراكتها في النظام السياسي الفلسطيني والاقتراب من شروط الإقليم والمجتمع الدولي للاعتراف بدورها السياسي، وهو ما ظهر أن الحركة تأخذه بجدية عالية بعد أحداث غزة الأخيرة.


التداعيات بالنسبة للأردن

على الجانب الآخر تظهر المملكة الأردنية الهاشمية بوصفها الجهة الأكثر تأثّراً بما يجري، وما يمكن أن يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، فالأردن هو "الحاضر" الضمني في مقابل "القاسم المشترك" على مستوياته الثلاث، ويأتي مشروع تشغيل مطار رامون الإسرائيلي للمسافرين الفلسطينيين من الضفة الغربية بدءً من 21 أغسطس 2022، كبداية لسلسلة من التداعيات المُترتبة على الأردن، حيث طرحت الحكومة الإسرائيلية مبادرة تشغيل المطار كتسهيل مقدم للسلطة الفلسطينية، وقبلتها السلطة بشكل ضمني، ولم تعترض عليها حركة حماس، كما أنها خطوة ستنعكس تداعياتها السياسية والاقتصادية السلبية على الأردن والعلاقات الأردنية الفلسطينية بشكل واضح، خاصة من ناحية تعزيز التبعية الفلسطينية الرسمية للحالة الإسرائيلية على حساب العمق العربي الذي يمثله الأردن، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية التي سيتكبدها القطاعان العام والخاص الأردنيان نتيجة تراجع حركة السفر الفلسطيني عبر جسر الملك حسين.