النسخة الكاملة

مع وجود ملفات الموازنة العامة والقوانين الاقتصادية على الطاولة أيهما يغادر أولاً… العسعس أم السعودي!

الخميس-2022-08-02 01:40 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز 
تصرف رئيس الوزراء   بشر الخصاونة بمعية رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي بحدة وحسم وذكاء وتوازن لاحتواء الأزمة التي نشبت وأخذت أكثر من بعد ومسار طوال الأيام العشرة الماضية بتوقيع «عبارات جارحة ومسيئة قالها رئيس اللجنة المالية محمد سعودي، في حق وزير المالية الدكتور محمد العسعس».

والتصرف هنا يمنع التأزيم ويسحب فتيلاً، لكن الرسائل «المسكوت عنها» بقيت في إطار الدلالات، وعلى الأرجح بعدها المزيد من التداعيات. السعودي كان قد اتهم وزير المالية العسعس بالسعي لتقليد مرحلة وزير المالية الأسبق السجين الآن بتهمة الفتنة والموصوف بأنه «خائن للأمانة، الدكتور باسم عوض الله».

تم تقليب صفحة هذه التصريحات المثيرة طوال ثمانية أيام شغل بها الجميع ليس بسبب حدتها وخطورتها فقط، ولا بسبب خلفيتها الشخصية المتعلقة بقطعة أرض استثمارية يرفض الوزير بيعها من أملاك الدولة ويوافق على تفويضها فقط، لكن بسبب أن هذا الاستدعاء غير المحبب يؤسس لحالة تجاذب، وكاد يزرع «فتنة» بين السلطتين قبل إذابتها على طاولة الثنائي الرئاسي الدغمي- خصاونة، بالرغم من امتدادات اجتماعية لم تقدر من جهة النافخين مجدداً بملف «عوض ألله» بعد طي الصفحة.

التعايش قد يكون صعباً للغاية بين وزير المالية وطاقم لجنة مراقبة الوزارة

الأهم الآن في جلسة صباح الاثنين  امس هو أن ترتيباً ما خلف الستارة والكواليس تدخل فيه العقلاء، أدى إلى قرار متأخر بشطب العبارات الجارحة في حق الوزير العسعس تحديداً من محاضر الجلسة التي عقدت الاثنين الماضي، فيما شطبت العبارات الإثنين الذي يليه؛ بمعنى أن أسبوعاً بقيت فيه تلك المشاحنات والمشاهد أساسية في العديد من المفاصل. لكن على الأرجح، ووفقاً لأهم المراجع البرلمانية، فإن عدة دروس عميقة قرئت، وعدة اعتبارات برزت، وثمة تداعيات ستؤدي إلى استحقاقات من أصناف محددة لاحقاً.
في كل حال، تصرفَ الرئيسان، الدغمي والخصاونة، قدر الممكن بالحكمة والتعقل؛ تجنباً لمزيد من الإثارة، وحسماً للإشكال، على أن تنتقل تفاصيله الأبعد إلى الدولة العميقة نفسها، وإلى مراكز القرار المرجعي لكي تتقرر بعض المسائل لاحقاً.
الرئاسة في السلطتين وجدت طريقة لاحتواء المسألة بشطب العبارات المسيئة من محضر الجلسة الرسمية، وإن كان هذا الإجراء ليس منصفاً تماماً لوزير تعرض لهجوم بدوافع شخصية، كما يقدر كبار المسؤولين إلا أن الرئيس الخصاونة وجه بالمقابل بعض الرسائل تحت عنوان حماية الطاقم الوزاري من هجمات من هذا النوع. وهو أيضاً إجراء لا يعني أن العسعس أمامه فرصة مريحة للبقاء في أداء واجبه مستقبلاً قياساً بما حصل معه وبما يمكن أن يحصل مع غيره. وهنا برز أن الخصاونة أصر على أن يجلس وزيره للمالية إلى جانبه تحت قبة البرلمان. وقبل ذلك، في اجتماع غير رسمي، أصر الخصاونة على استدعاء الوزير العسعس لمغادرة الاجتماع بمعيته في رسالة يفترض أن يفهمها أعضاء مجلس النواب.

تلك في كل حال، تصرفات حكيمة من رئاستين لديهما القدرة على الاحتواء والتصرف، لكن دلالات هذا المشهد قد لا تنتهي عند هذه الحدود بترتيبات جلسة طي الصفحة عندما يتعلق الأمر بما وراء الميكرفون وخلف قبة البرلمان وبإعادة دراسة المعطيات؛ لأن الوزير العسعس لا يمثل نفسه بكل الأحوال بقدر ما يمثل مدرسة جديدة في إدارة مالية حظيت بكل التوافقات على مستوى الإرادة السياسية. لا بل واحدة من إشكالات العسعس قد تكون أنه يتعامل بجدية مع ما اتفق وتوافق عليه علية القوم، ومع التوجيهات التي تصله أو ترد إليه تحت عنوان «حماية المال العام»، بمعنى أن وزير المالية في حكومة الأردن ليس رجل تسويات على حساب القانون والإجراءات.

في كل حال، الظاهرة التي تستحق الدراسة حتى قبل الحادثة الأخيرة هي ظاهرة تجنيب الوزراء وسط الدوافع والتجاذبات والطموحات الشخصية لبعض النواب أحياناً من الخضوع لابتزاز ما مستقبلاً. مهم سياسياً أن المشهد قدم مساهمة فعالة في إعادة خلط أوراق الحسابات الانتخابية قبيل وعشية الدورة العادية المقبلة للبرلمان، وأظهر إلحاحاً بالحجة لـ»ضبط إعدادات» المؤسسات.
منافسون للرئيس الدغمي راغبون في وراثة موقعه، والنائب السعودي يترأس لجنة مالية وظيفتها وواجبها مواجهة ومراقبة أعمال وزارة المالية وبقاء التجاذب في تلميحاته الشخصية، وهي في سياق سوابق المشهد الذي حصل تعني -إذا ما سكتت عنها مصادر القرار في الدولة- المزيد من المواجهة والصدامات في محور حساس ينبغي ألا تختلف عليه الجهات، وهو محور الإدارة المالية للدولة مستقبلاً. ومن هنا يمكن القول بأن التعايش بعد الآن قد يكون صعباً للغاية بين وزير المالية وطاقم اللجنة المالية بوضعه الحالي إذا ما استمر العسعس في موقعه مستقبلاً.
أغلب التقدير سياسياً، أن أحدهما؛ أي العسعس أو السعودي، سيبتعد عن موقعه الرسمي، وهي مسألة دخلت في سياق الخلاصة والاستنتاج الآن، وتم التعامل معها باعتبارها تحصيلاً حاصلاً.

لكن المشاهد المثيرة في مجلس النواب بدأت تثير القلق على أكثر من صعيد، ليس فقط عندما تعلق الأمر بالاستدعاء المباغت لاسم عوض الله والفتنة في نقاش مداولات كان يفترض أن تختص بقانون البيئة الاستثمارية، لكن أيضاً في إطار مشاهد عالقة في الذهن عن كيفية تعاطي واشتباك مجلس النواب الحالي مع عدة مفاصل وأحداث حصلت تختزنها الذاكرة وتؤدي بالضرورة إلى المساس بهيبة المجلس على مستوى الرأي العام، ودوره وصورته على مستوى المنطقة المشتركة بين بقية أهم مؤسسات الدولة.

سابقاً، تم فصل نائب خرق كل الأسقف الحمراء بالحديث في عهد هذا المجلس، كما نوقش رفع حصانات، وخالف نواب أصول النظام الداخلي والقانون في الاعتداء على وزراء خارج نطاق الرقابة والتشريع في عهد هذا المجلس، وفصل نائب آخر لمدة عامين بعدما لكم خمسة من زملائه في عهد هذا المجلس.

كل تلك القضايا تدرس الآن، ويبدو أن تصريحات السعودي ضد العسعس كل ما فعلته أنها فجرت بعض الأسئلة القديمة مجدداً، لأن الجوهري في البحث اليوم ليس الأسماء ولا الأشخاص، بل «النهج والنموذج». القدس العربي