النسخة الكاملة

ستراتيجكس: ماذا استجد في حرب الأردن على المخدرات؟

الخميس-2022-06-23 04:01 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - الكاتب ستراتيجكس 


تتناول الورقة التحديات على الحدود الشمالية للأردن، خاصة في ظل الحديث عن انسحاب روسي، قد يعزز من سيطرة الجماعات المدعومة إيرانياً، المسؤولة عن عمليات تهريب المخدرات العابرة للحدود.

 
لا تزال تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في مقابلته مع معهد هوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية، تلقى تفاعلات على الميدان، فقد حذّر جلالته من تصعيد محتمل للمشكلات على الحدود الأردنية السورية جرّاء ملء "الإيرانيون ووكلائهم" للفراغ الناشئ عن تراجع الحضور الروسي في الجنوب السوري.

وبعد هذه التصريحات بأيام قليلة، أعلنت القوات المسلحة الأردنية عن "عملية نوعية" للمنطقة العسكرية الشرقية، أسفرت عن مقتل 4 من مهربي المخدرات، وأكدت في بيانها أنها "ستضرب بيد من حديد وستتعامل بكل قوة وحزم مع أي عملية تسلل أو محاولة تهريب".

وتردد عن مصادر، أن سلاح الجو الملكي الأردني نفذ غارات جوية في سوريا منتصف ليل 24 مايو 2022، وجاءت في الوقت نفسه؛ مع ما تم تداوله بشأن "إغلاق المجال الجوي الأردني"، الأمر الذي نفته هيئة تنظيم الطيران المدني، وأكدت أن ما تم هو "تعليق حركة الإقلاع والهبوط في محيط مطار الملكة علياء الدولي لمدة 40 دقيقة، حفاظاً على سلامة وأمن الطيران المدني".

ظاهرياً قد لا يكون جديداً طرأ في ملف محاربة المخدرات، ذلك أن الحدود السورية الأردنية منذ سنوات تعتبر بؤرة إقليمية لتصدير المخدرات، ولكن في هذا التوقيت ثمة مستجدات يجب تسليط الضوء عليها، وهي: 

أولاً: إعادة تموضع القوات الروسية

أكد جلالة الملك عبدالله الثاني، في المُقابلة سابقة الذكر، أن "الوجود الروسي في الجنوب السوري، كان يُشكل مصدرا للتهدئة في سوريا"، مشيراً إلى أن "هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلائهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا".

تأتي هذه التصريحات، في وقت تُرجح فيه تقارير عدة، أن روسيا سحبت جزء من قواتها المُتمركزة في جنوب سوريا للمُشاركة في العمليات العسكرية في أوكرانيا، حيث نقلت وسائل إعلامية عن مصادر في البنتاغون، أن الآلاف من وحدات المشاة وسلاحي الطيران والهندسة الروسية العاملة في سوريا قد انسحبت، دون تأكيد أو نفي من جهة السلطات الروسية، إلا أن جهات مُقربة من موسكو، ترى في الحديث عن الانسحاب، محاولة للإيحاءِ بمواجهة روسيا صعوبات في عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ما يستلزم تعزيزات عسكرية من قواتها في سوريا، ويندرج ضمن "الحرب النفسية".

من الناحية الواقعية، لا يُمكن تصور تنفيذ روسيا لانسحاب استراتيجي من سوريا، قد يُفقدها وزنها الفاعل في مسار الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أنفقت عليه الخزينة الروسية قرابة 4 مليون دولار يومياً وفقاً للتقديرات التي نشرتها شركة "IHS" في أكتوبر 2015، فضلاً عن فقدانها الأهمية اللوجستية والجيوسياسية الكبيرة لتواجدها في المياه الدافئة المتوسطية.

أضف إلى ذلك، أن توجه روسيا لاجراء انسحاب واسع من سوريا، وإن كان مؤقتاً قد يتم تعويضه لاحقاً، أمرٌ غير محتمل، في ظل قرار أنقرة إغلاق أجوائها أمام عبور الطائرات الروسية المحمّلة بالعداد والعتاد المتجهة نحو سوريا، خاصة وأن الطرق البديلة المُتوفرة أبعد، إلى جانب منع أنقرة كذلك لمرور السفن الحربية للدول المطلة وغير المطلة على البحر الأسود من عبور مضيقي البوسفور والدردنيل، ما يُقيد من عبور القطع الحربية الروسية المُغادرة من سوريا عبر مضيق البوسفور.

وعليه، ينبغي تقييم إعادة التموضع الروسي بدقة، من حيث أن عدد القوات الروسية المنتشرة في سوريا محدود ولا يمكنه تغيير المعطيات الميدانية في أوكرانيا، التي تشير التقديرات إلى مُشاركة أكثر من 100 ألف جندي روسي فيها.

وبالتالي، فإن الحديث عن انسحاب روسي كامل غير دقيق حتى اللحظة، فما يجري هو إعادة تموضع لدوافع سياسية بالدرجة الأولى تتعلق بإعادة خلط الأوراق على الساحة السورية للضغط على الدول الغربية، بهدف تليين عقوباتها المفروضة على الاقتصاد الروسي، وللتأثير على مجمل الأوضاع السياسية والأمنية في الشرق الأوسط الذي يزخر بالمصالح الحيوية الأمريكية.

بالنسبة للأردن، من المُحتمل أن تشهد حدوده مع سوريا توتراً مستقبلياً، بالرغم من أن أغلب التغيرات الميدانية الروسية تمت في الشرق حيث الحدود السورية العراقية وليس في الجنوب، فقد أفادت بعض التقارير إلى أن تنظيمات مثل النجباء وحزب الله العراقي سارعت إلى الانتشار وملء الفراغ الروسي، وبالتالي ثمة مخاطر عالية من تلاقي المصالح بين عصابات المخدرات العابرة للحدود في الجنوب السوري مع فصائل وجماعات مُسلحة تنشط في تلك المنطقة.

ما يعني، أن الفجوة التي خلفها إعادة التموضع الروسي، ستكون أحد الملفات الآخذة بالتفاقم ما لم تتوصل عمان إلى تفاهمات مع موسكو تعيد الأمور إلى سابق عهدها، أو أنها تحيّد الأمن الوطني الأردني عن تبعات الإجراءات الروسية الأخيرة.

ثانياً: أزمة في العلاقات الروسية الإسرائيلية

اتهمت الخارجية الروسية تل أبيب، بدعم ما تسميهم "نظام النازيين الجدد" في أوكرانيا، وتجسد هذا الاتهام في حديث الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن مشاركة "إسرائيليين" القتالَ في وحدات أوكرانية متطرفة.

وأخذ السجال الروسي الإسرائيلي طابعاً تاريخياً عندما قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن للزعيم النازي، أدولف هتلر، جذور يهودية كما أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يهودي الديانة، مما أثار سخط المسؤولين الإسرائيليين الذين اعتبروا هذه التصريحات استخفافاً بالهولوكوست، من ضمنهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، الذي أدان استخدام المحرقة كـ "أداة سياسية".

في الواقع، طوال السنوات الماضية لم تعترض الطائرات الروسية ولا أنظمة دفاعاتها الجوية؛ أي من الطائرات والصواريخ الإسرائيلية الموجه نحو أهداف إيرانية في سوريا، فيما بدا كتوافق روسي-إسرائيلي ضمني لإخراج إيران من المشهد السوري، وهو الأمر الذي قد يتعرض اليوم لاختبار حقيقي.

حيث كشفت القناة (13) الإسرائيلية، عن إطلاق صاروخ أرض-جو من بطاريات S300، صوب طائرات إسرائيلية كانت تنفذ غارة جوية على أهداف في سوريا في مايو 2022، فيما نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن غواصة روسية أطلقت الصواريخ على الطائرات الإسرائيلية، مضيفة أنه "سيتعين على إسرائيل انتظار الهجمات القادمة في سوريا لفهم ما إذا كان هذا هو الاتجاه حقا، وإشارة روسية يمكن أن تنتهك حرية إسرائيل الجوية في سوريا، أو ما إذا كانت حالة استثنائية ولمرة واحدة".

ناهيك عن المخاوف المُترتبة على غض موسكو الطرف عن انتشار الجماعات المُسلحة المدعومة إيرانياً قرب الجولان في الجنوب السوري، ما سيزيد من الأعباء الأمنية على الأردن حتى وإن لم تتعمّد موسكو التسبب بمتاعب أمنية موجهة ضد المصالح الأردنية.

وأثبتت التجربة الواقعية أن الجماعات المُسلحة المدعومة إيرانياً تجيد اقتناص التوقيت للتمركز وتكثيف حضورها، فهي تستغل أنصاف الفرص لتحقيق مكاسب على الأرض، وبالتالي ستوظّف الصدعَ الروسي الإسرائيلي لخدمة أهدافها المتصلة بالسيطرة وتهريب المخدرات في الجنوب السوري.

ولأن سوريا تحتل أهمية استراتيجية في الحسابات الروسية كما جاء في البند السابق، فإن موسكو قد تهدف من تحركاتها الأخيرة إلى خلق تهديد ضاغط على إسرائيل والشرق الأوسط برمته، وليس لتركيز جهدها الحربي صوب أوكرانيا على حساب وجودها العسكري في سوريا.

ثالثاً: تعثر المفاوضات النووية

منذ ما يزيد عن العقد لم يغادر الملف النووي الإيراني قائمة أجندة الشرق الأوسط، فكلما تراجعت أولويته حيناً عادت إلى الصدارة من جديد، وفي هذه المرحلة تجري مفاوضات "متعثرة" يحاول طرفاها تقوية موقفهم التفاوضي، عبر استخدام أوراق الضغط المُتاحة على مختلف الأطراف المتفاعلة.

ويعد النفوذ الإقليمي أحد الأوراق التي تستخدمها طهران، وطالما يستمر الجمود في مفاوضات فيينا، يُتوقّع أن تُفعَّل أكثر هذه الورقة حيث تتصور طهران أن المفاوض الغربي وتحديداً واشنطن سيميل إلى تبني سياسة الاسترضاء، تفادياً للتصعيد في ظل الانشغال بالأزمة الأوكرانية، مما يحفّزها على تنشيط الجماعات المنضوية لها في مناطق عدة، لا سيما في سوريا التي تُعني الأمن الوطني الأردني أكثر من غيرها.

ومما يترتب على تعثر المفاوضات، هو ارتفاع مستوى القلق الاستراتيجي الإسرائيلي، من جهة ضغط إيران على أطراف فيينا والوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر الورقة التقنية من خلال تسريع برنامجها النووي، ويُستدل على هذا القلق بتنسيق إسرائيل مع واشنطن ودول في المنطقة لصياغة منظومة أمنية متكاملة للتعامل مع التهديدات الإيرانية.

إلى جانب، اتهام إسرائيل بعدد من الهجمات في الأراضي الإيرانية، آخرها مقتل العقيد في الحرس الثوري حسن صياد خدائي، شرقي طهران في مايو 2022، حيث اتهم القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، عناصر إسرائيلية باغتياله.

وفي السياق ذاته، صرح الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بأن "الثأر لدم خدائي آتٍ لا محالة"، فيما لا يستبعد مُراقبين أن تخطط طهران لعملية انتقامية على غرار ما أعلنته عن توجيه ضربة بالصواريخ الدقيقة استهدفت مجمعاً في مدينة أربيل تعتبره منشأة أمنية إسرائيلية، خاصة وأن عمليات عدة تتهم إسرائيل بتنفيذها في الداخل الإيراني، ما يتطلب إعادة ضبط معادلة الردع صوناً لهيبتها المرتبطة بالسياسات الداخلية ولصورتها أمام المفاوض الغربي.

كل ذلك، يرتبط بشكل مُباشر مع حالة الغموض على الحدود السورية الأردنية، حيث تتقاطع جبهة إسرائيل الشمالية مع الجماعات المُسلحة المدعومة إيرانياً. ونظراً لانشغال روسيا بالأزمة الأوكرانية، وتراجع التنافس الروسي – الإيراني في سوريا؛ فمن المُرجح أن التواجد الإيراني في سوريا سيتسع.

وتدرك عمان جيداً هذه التطورات، واستجابت لها سياسياً عبر التصريح الملكي لأول مرة في مقابلة معهد هوفر بخطر إيران والجماعات المنضوية لها في الجنوب السوري على الأمن الأردني، وتلى هذا تصريح لمدير الاعلام العسكري، العقيد مصطفى الحياري، حول وجود "تنظيمات إيرانية خطيرة تأتمر وتستهدف الأمن الوطني الأردني"، في مقابلة تلفزيونية حول تهريب المخدرات من الجنوب السوري نحو المملكة.

إذاً تتعقد تفاعلات طهران - تل أبيب، وهو ما يفاقم التحديات القائمة على الحدود السورية الأردنية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأردن حليف استراتيجي للولايات المتحدة، ويجمع الدولتين مصالح مُشتركة، إلى جانب فاعلية السياسة الخارجية الأردنية في قضايا وملفات المنطقة، لا سيما في كل من سوريا والعراق، ما يعني أن الأردن ليس ببعيد عن أي توترات مستجدة قد تطرأ في المرحلة المقبلة.

رابعاً: الدور الأردني في المنطقة

لا شك أن تفاعلات السياسة الخارجية الأردنية تشهد فعالية كبيرة، باتجاه العواصم الإقليمية خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مقاليد الحكم، مما يمنح الدبلوماسية الأردنية هامشاً أكبر من المناورة ويوفّر استجابة أمنية مُبكرة في وجه التهديدات المتصاعدة.

وكان لافتاً أن الزيارة الملكية الأخيرة إلى الولايات المتحدة، تضمنت مُناقشات عسكرية إلى جانب السياسية، حيث التقى جلالة الملك عبدالله الثاني مع قيادات عسكرية في القوات الخاصة الأمريكية والقيادة المركزية الأمريكية "CENTCOM" المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط. كما التقى جلالته مع لجان في الكونغرس معنية بالقضايا العسكرية والدفاعية. وحتى المقابلة التلفزيونية أُجريت مع برنامج عسكري يقدمه جنرال متقاعد.

بالتزامن مع هذه الزيارة، ارتفع منسوب التصريحات حول "حرب المخدرات" والجماعات المُسلحة المدعومة إيرانياً، والتي تقوم بعمل ممنهج منظم على الحدود السورية الأردنية، وتُعد هذه المرة الأولى التي تتهم فيها التصريحات الرسمية في الأردن، الجماعات المسلحة المنضوية لإيران بالمسؤولية عن عمليات التهريب عبر الجنوب السوري.

ويُلاحظ في الآونة الأخيرة صدور أكثر من تصريح أردني حول قيام القوات المسلحة بمكافحة تهريب المخدرات نيابةً عن دول الإقليم والعالم مما يتطلّب دعم وإسناد الجهود الأردنية، كما جاء في مقابلة الحياري سابقة الذكر.

وعليه؛ يقوم الأردن بالاستثمار سياسياً في هذا الواجب الذي تقوم به في ردع ووأد سلاسل تهريب المخدرات في مهدها، وهي بذلك تجنب البيئة الأردنية والدول المحيطة هذا الخطر الذي يستهدف الفئات الشبابية التي تعاني الفراغ والبطالة، وتستطيع تحمل تكلفة شراء بعض المواد الممنوعة كالكبتاغون والترامادول اللذين يوصفان بـ "هيروين الفقراء".

وأمام وجود تواصل عربي-إيراني يستكشف مُستقبل العلاقات، تجد عمان نفسها في وضع يتطلب ضبط طبيعة تفاعلها مع طهران، ففي الوقت الذي يُحذر الخطاب الرسمي من خطر الجماعات المسلحة المدعومة إيرانياً؛ أشار جلالته في معرض إجابته على سؤال طريقة التعامل مع إيران، إلى الدول العربية المنخرطة بمحادثات استكشافية معها، قائلاً "نحن بالطبع نريد أن يكون الجميع جزءا من انطلاقة جديدة للشرق الأوسط والتقدم للأمام، لكن لدينا تحديات أمنية".

ويمكن استنتاج أن الأردن يتعامل مع طهران وفق "توليفة" تمزج بين الاصطدام مع مظاهر نفوذها المزعزعة للاستقرار الإقليمي، وبصورة خاصة تهريب المخدرات، وبين كونها طرف مضطرة للتعامل معه بحكم واقع الأمر من حيث بناء تفاهمات حول بعض القضايا، فمثلاً لا يمكن لمشاريع الشراكة التنموية الثلاثية (الأردن ومصر والعراق)، ومشروع تصدير الكهرباء إلى لبنان أن تتحقق إذا ما واجهت ممانعة إيرانية قوية.

وتعد استضافة العاصمة الأردنية عمان، اجتماعات اللجنة الإشرافية المعنية بمتابعة تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، بين ممثلي الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله الحوثي، مثالاً لقدرة الأردن على الانخراط والتأثير في أحد الملفات التي تعتبر هامة لطهران، وبشكل يُمكن أن يؤدي دوراً في المستقبل القريب لبلورة تفاهم أردني إيراني مباشر أو غير مباشر يخفّض التصعيد على الحدود السورية الأردنية.

كل ذلك يتمحور حول الدور الأردني في مكافحة تهريب المخدرات، فحرب المخدرات أصبحت معلنة في مايو 2022، وقد تكون امتداداً للحرب على الإرهاب التي أدت المملكة فيها دوراً أكسبها احتراماً وتقديراً على المستويين الإقليمي والدولي.

رفع الجهوزية واليقظة القتالية 

تستعد القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية المعنية لمختلف السيناريوهات على الحدود الشمالية، وتضع نصب أعينها أسوأ السيناريوهات التي ترقى لانسحاب روسي استراتيجي يتلوه انتشار للجماعات المُسلحة وعصابات تهريب المخدرات العابرة للحدود والجماعات الإرهابية.

وتكمن الخطورة في تفاقم التهديدات وانتقالها إلى مستوى أعقد، عبر تبني الجماعات المُسلحة، وجماعات تهريبَ الأسلحة والإرهابيين لأجندة تستهدف زعزعة الاستقرار في الأردن، وإلى الآن لم تعلن القوات المسلحة وجودَ عمل ممنهج منظم لهذا النمط من التهريب على غرار المخدرات.

إلا أنه يتم الإعلان بين الحين والأخر عن ضبط كميات من الأسلحة، آخرها أعلن أواخر مايو 2022، حين اشتبكت إحدى واجهات المنطقة العسكرية الشمالية مع مجموعة حاولت تهريب كمية من الأسلحة والذخيرة وضبطت بعض أفرادها.

ووفق الصور المرفقة في بيان القوات المسلحة، يُلاحظ وجود أسلحة أوتوماتيكية وبنادق "Pump Action" وذخائر عالية التأثير مقارنةً بتلك الرائجة في السوق السوداء لتجارة الأسلحة في الأردن.

ومثل هكذا أسلحة تمثّل تهديداً متعدد الأبعاد، حيث يمكن أن تكون أداة لتنفيذ هجوم إرهابي، إضافة إلى أنها سلاح مفضل لدى المجموعات الإجرامية المتواجدة في الداخل الأردني، كما أن إغراق البلاد بهذا النوع من الأسلحة سيزيد من جرأة الإقدام على انتهاك القانون وارتكاب جناية القتل.

وبالتالي قد يجد الأردن نفسه أمام واقع يتطلب منها فرض ما يشبه المنطقة العازلة بما يطهّر الحدود من تجار التهريب (المخدرات والأسلحة الأوتوماتيكية والطائرات المسيرة والإرهابيين) والمجموعات المسلحة التي يقف خلفها قرار سياسي باستهداف الأردن.

وخلاصة القول.. يواجه الأردن ما يتجاوز حرب المخدرات، لأن كارتيلات المخدرات العالمية يكاد ينحصر هدفها في البعد المادي، أما ما يجري على الجبهة الحدودية الشمالية فتتعدى أبعاده المادية إلى المجتمعية والسياسية.

وفيما يتعلق بالانسحاب الروسي غير المتفق على تحديد مستواه، تعيد هذه الورقة التأكيد على أنه لن يكون استراتيجي، وما تم وسيتم من سحب للقوات الروسية ليس موجهاً ضد المصالح الأردنية، لأن العلاقات الأردنية الروسية يسودها التفاهم واحترام القرارات السيادية.

وبالتالي يمكن للدبلوماسية الأردنية إعادة التفاهم مع موسكو، لتثبيت تفاهمات الحد الأدنى اللازمة لبقاء الوضع الحدودي تحت السيطرة، حيث يتوجب إقناع موسكو بتحييد المصالح الأردنية الحيوية عن سعيها للضغط على المصالح الأمريكية وعن خلافها مع تل أبيب. 

ويظل الأسلم في الحرب ضد المخدرات هو تمتين الجبهة الداخلية عبر زيادة النشاط الأمني المحلي وتغيير القوانين غير الرادعة بما يكفي فيما يتعلّق بتهريب المخدرات، فالقانون المعدل لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية المنشور في الجريدة الرسمية في سبتمبر 2021، توسعَ في منح استثناء من العقوبة وتسجيل القيود الأمنية بحق "كل من تعاطى أو أدخل أو جلب أو هرب أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو اشترى أو تسلم أو نقل أو أنتج أو صنع أو خزن أو زرع" أي من المواد المخدرة المحظورة للمرة الأولى، وهذه ثغرة قانونية تحفّز ضعاف النفوس للدخول إلى سلاسل التوريد والتصنيع لهذه المواد، مع أن الأصل هو أن يكون الاستثناء لمرتكب التعاطي للمرة الأولى.