جفرا نيوز -
جفرا نيوز - يرتدي سروالا أزرق ومعطفا أصفر، يسحب زناد مسدس، ويطلق النار على نفسه، هذا ما فعله بطل رواية «غوته» لرفض الفتاة التي يحبها له، والتي كانت بعنوان «أحزان الشاب فيرتر».
من اللافت تقليد شباب ذاك الوقت، والذي كان عام 1774م، لبطل الرواية من ناحية ارتداء ملابسه أولا، ومن ثم إلى دخول شبان صغار بحالة يأس مطابقة للحالة التي مر البطل فيها، ومن ثم الانتحار، إذ تم العثور على جثث الشباب في أماكن متفرقة مثل الجسور والمنازل وخلف البنايات وبأيديهم مسدس، وتم تسجيل الفين حالة انتحار آنذاك، ما أدى الى منع الكتاب في بعض البلدان ولعدة أعوام.
ما عرض سابقا، يوضح فكرة ما يشير إليه خبراء ومستشارين نفسيين مبينين سبب تأييدهم لقرار تجريم الانتحار علنا، في الوقت الذي طالبوا فيه مد يد العون لكل من يحتاج المساعدة النفسية من خلال توسيع مظلة التأمين الصحي لتشمل العلاج والاستشارات النفسية الطبية والسلوكية في القطاعين الحكومي والخاص.
وتنص المادة التي أقرها النواب مؤخرا، على: «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من شرع في الانتحار في مكان عام، بأن أتى أيا من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادة، وتشدد العقوبة إلى ضعفها إذا تم ذلك باتفاق جماعي».
في السياق، أكد وزير العدل أحمد الزيادات أن النص المعدل في قانون العقوبات والذي يفرض عقوبة على الشروع بالانتحار في الأماكن العامة، يهدف إلى أمرين هامين وهما حماية المجتمع، وحماية الشخص نفسه الذي يشرع بالانتحار.
وقال الزيادات خلال مناقشة مجلس الأعيان قانون العقوبات، الثلاثاء الفائت، ان «كان الشروع بالانتحار بقصد الابتزاز، فعلينا حماية المجتمع منه لأن ذلك يثير الرعب ويؤثر على النشء والمراهقين»، ولفت إلى أن حماية الأشخاص تكون بتحويل من يثبت أنه شخص غير متزن إلى العلاج، مبينا في الوقت ذاته الهدف من الوصول إلى المحكمة «للتأكد من أن الشخص متزن أم غير متزن».
الانتحار بالتقليد
يوافق استشاري الطب النفسي ومعالجة الإدمان الدكتور عبد الرحمن مزهر الحكومة بتجريم الانتحار العلني، إلا أنه يخالفها من ناحية الطرح.
ويبين أن هناك ما يعرف بالانتحار بالتقليد، أو ما يطلق عليه «تأثير فيرتر»، نسبة لرواية الكاتب الألماني المعروف «غوتة»، والتي تحمل اسم «أحزان الشاب فيرتر»، والتي كان لها تأثير كبير بعد انتشارها من خلال تقليد المنتحرين طريقة بطل القصة بالانتحار بكافة تفاصيلها.
ويرى الدكتور مزهر أنه بالانتحار المعلن يوجد جريمتان، الأولى بحق نفسه، والثانية بحق مجتمعه، كونه يحفز الانتحار من قبل آخرين يمتلكون دوافعا انتحارية، ما تسمى بـ«العدوى الانتحارية» من جهة، ومشاهد الانتحار قد تسبب آثارا نفسية على من يشاهدها من جهة أخرى.
ويلفت إلى أن الانتحار المعلن يوجه ضد المجتمع، ويرى فيه بعض المنظرين أنه عقاب جماعي للمجتمع ويلقي اللوم عليه، ويشدد في الوقت ذاته على أن الخطورة تكمن بأنه يزيد من عدوى الانتحار لكسب تعاطف المجتمع والحديث بتفاصيل الانتحار.
كما أنه يدعو الحكومة لتتخذ قرارا بمنع تداول فيديوهات الانتحار على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي أجريت فيه عدة أبحاث عن التغطية الإعلامية للانتحار، والتي أظهرت أن أكثر العوامل تاثيرا في انتشار الانتحار بالتقليد هو حجم التغطية الإعلامية فكلما زادت التغطية زادت فرصة الانتشار.
وينصح الدكتور مزهر كل من ينشر مقطع الانتحار بحسن نية ومن باب التعاطف مع الضحية ألا يقوموا بذلك؛ لأنهم قد يؤدي إلى تلميع وتأصيل فكرة الانتحار عند آخرين نالت منهم الدنيا فيكونوا سببا في انتحارهم.
ويخلص إلى أن الإنسان بحاجة إلى شجاعة أكبر لتبقيه على قيد الحياة بدلا من أن يقتل نفسه.
من جهته، يذكر أخصائي الصحة النفسية الدكتور عمار التميمي أنه ضد أي تشريعات أو قوانين عشوائية لا تدرس خصائص شخصيات المنتحرين، ووضع جميع المنتحرين بخانة واحدة، ولكنه في الوقت ذاته يؤيد تجريم الانتحار علنا اذا ثبت أن المقبل عليه سليم نفسيا وهدفه إثارة الشغب والرأي العام، لعدم جعل الانتحار ذريعة لكل شخص يهدف لتغيير قانون وغيره.
ويلفت في حديثه لـ"الرأي» أن الانتحار الناتج عن النوع الأناني بسبب اضطراب نفسي أو مشاكل خاصة لا يعلن المقبل على الانتحار عما سيقوم به، وإنما قد يلمح أو يغير من أفعاله من خلال الصدقة والتزكي وزيارة أرحامه وبث منشورات.
ويذكر الدكتور التميمي أن الذي ينوي الانتحار ويفشل في ذلك بقصد أو بدون، يمكن أن يصنف تحت فئة إيذاء الذات، وهذا الشخص ليس له نية حقيقية لقتل نفسه، وإنما يريد إيصال رسائل، أو تجييش الرأي العام تجاه قضية للفت الانتباه له، أو الرضوخ لمطالبه.
ويرى أن «وصم» كل من يقدم على الانتحار انه مجرم، فيها إساءة مباشرة بحق انسانيته بعيدا عن تحريم التعاليم الدينية للانتحار، فالأشخاص الذين يعانون من درجات شديدة من الاكتئاب تتعطل لديهم المنظومة الفكرية والعقائدية؛ لأنهم تحت تأثير ضاغط يفوق قدرتهم ومنعتهم النفسية على الاحتمال لأسباب بيوكيميائية في الدماغ لا يمكن اختزالها بأي شكل من الأشكال.
ويشدد على أن الشخص الذي يرغب بالإنتحار فعليا، تكون له نية حقيقية وتخطيط مسبق وعلامات تحذيرية قد تكون معلنه أو خفية، ولايقوم بذلك أمام الملأ، وهذا انتحار قصدي تكون له دوافع شخصية لدى الشخص ربما لا يطلب المساعدة، لكن ذلك لا يعني ألا نقدم المساعدة المطلوبة له، الأشخاص المقدمين على الانتحار ربما لا يريدون ان يموتوا.
ويكمل أنهم يريدون إيقاف الأذى النفسي، الوقاية من الانتحار تبدأ بالتعرف على العلامات التحذيرية وأخذها بجدية، اذا كان أحد الأصدقاء أو أفراد العائلة ينوي الانتحار، ربما نخشى طرح الموضوع، لكن التحدث بصراحة عن الأفكار والمشاعر قد يساهم في إنقاذ حياته.
ويذكر أنه قد أظهرت الدراسات التي أجريت على ضحايا الانتحار أن أكثر من نصفهم طلبوا المساعدة الطبية في الأشهر الستة السابقة لوفاتهم، وهذا دليل صارخ لطلبهم للمساعدة، فحب الحياة والتمسك بها أمر فطري لدى الانسان، وبالتالي يدعو الى الاهتمام بكل رسالة تصدر منهم سواء بالتصريح أو التلميح وعدم تجاهلها.
وحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية عام 2021، ينتحر أكثر من 700000 شخص حول العالم كل عام، وتقابل كل حالة انتحار عدة محاولات لذلك، كما ويعتبر السبب الرئيسي الرابع للوفاة بين الفئات العمرية من 15 -19 عاماً، وتحدث 77% من حالات الانتحار في العالم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وأكثر أساليب الانتحار انتشارا كان تناول الأدوية والمبيدات والشنق والأسلحة النارية.
الرأي - تالا أيوب