جفرا نيوز- كتب محمد داودية
كنت في المملكة المغربية عندما وقعت كارثة رحيل حبيبي الملك الحسين.
كان نشيجي يصل إلى عنان السماء. كنت أنوح وأجوح وأنتحب بكل جوارحي مساء ذلك اليوم المشؤوم. وخشية أن يرتعب أطفالي حملت نفسي إلى مبنى سفارتي وأغلقت بابها عليّ وأخذت حريتي: غرقت في البكاء والحزن والظلمة.
أبلغني معالي الصديق سي عبد الحق المريني رئيس التشريفات الملكية المغربية أن سمو الأمير محمد ولي العهد سيترأس الوفد المغربي نيابة عن الملك الحسن لتقديم العزاء إلى الملك عبدالله.
اتصلت مع تشريفاتنا الملكية وأبلغتهم بتفاصيل الوفد المغربي. وأرسلت إلى وزارة خارجيتنا مستأذنا القدوم إلى عمان، لحضور مراسم مواراة الثرى.
ولما طلبت من سي عبد الحق المريني أن يمكّنني من السفر إلى عمان على متن طائرة سمو ولي العهد، قال لي أنه سيبحث هذه الإمكانية. ثم أبلغني بعد ساعة، أن لي مكانا على الطائرة الملكية.
وحصل ما حمدت الله على حصوله.
اتخذت الخارجية الأردنية اكثر القرارات حكمة: السفراء الأردنيون يبقون في سفاراتهم وفي مقارهم. صحّاني القرار ومكنني من اتخاذ الترتيبات اللائقة واستقبال المعزين الذي امّوا السفارة الأردنية في السويسي بكثافة خففت عليّ كثيرا.
زار بيت العزاء في السفارة وفي منزلي، وفود من كل أنحاء وطبقات وأحزاب ومنظمات وهيئات الشعب المغربي. وكان على رأس المعزين وأولهم دولة رئيس الوزراء المغربي سي عبد الرحمن اليوسفي.
للملك الحسين مكانة سامية لدى ملوك المغرب العلويين، ولدى أبناء الشعب المغربي كافة. فطائرة الملك الحسين، كانت أول طائرة تحط في الرباط، للتهنئة بنجاة الملك الحسن، وفشل محاولة اغتياله في انقلاب الصخيرات الشهير، الذي دبّره الجنرال اوفقير، وقاده الجنرالان امحمد اعبابو ومحمد المدبوح، يوم 10 تموز سنة 1971.
عندما حطت طائرة الحسين في مطار سلا بالرباط، لم يكن الانقلاب قد انتهى كليا، وكانت فلول الانقلابيين ما تزال تحتجز المطرب عبدالحليم حافظ في الإذاعة، وتحاول إرغامه على قراءة «بيان الانقلاب الأول»، وكانوا ايضا في عدة مراكز حساسة في الرباط.
ربطتني علاقات طيبة جداً بكبار رجال الدولة والمثقفين، والصحافيين المغاربة، مثل رئيس مجلس النواب سي عبد الواحد الراضي، ورئيس الديوان الملكي المؤرخ والأديب عبد الحق المريني، وراعي مهرجان أصيلة وزير الخارجية محمد بن عيسى، ورئيس اللجنة الأولمبية المغربية، قائد الدرك الملكي، الجنرال حسني بن سليمان، والجنرال عبد الحق القادري المفتش العام للقوات المسلحة - مدير المخابرات، ورئيس المجلس القضائي الأعلى إدريس الضحاك، ومحمد الأشعري وزير الثقافة، والمناضل محمد اليازغي، ووزير الاتصال والإعلام محمد المساري، والشاعر حسن نجمي، ومستشار الملك الحسن البروفيسور أندريه آزولاي، وأعضاء الفرقة المغربية الشهيرة ناس الغيوان.
جمعتني في المغرب صداقة حميمة، امتدّت خمس سنوات، بالسفير الشاعر عبد العزيز خوجا السفير السعودي، والسفير الجزائري رئيس المجلس الدستوري بوعلام بسايح، والسفير التونسي وزير الثقافة الأسبق الدكتور صالح البكاري، والمدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - الإيسيسكو الدكتور عبد العزيز التويجري.
وفي غير المناسبات الرسمية كنتُ أسوق سيارتي بلا سائق، أتجوّل بصحبة أحد الأصدقاء، مثل: هنائي الدجاني، أو زهير القضاة، أو نبيل النجار، أو رياض العابدي، أو محمد الشوابكة، في أرجاء المغرب الجميل الشاسع، الذي تحفّه شواطئ خلابة طولها 3500 كيلومتر على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
التحدي الأكبر في تاريخ الحرس الأمريكي الخاص
صعق المغاربةُ يوم 23 تموز سنة 1999 بوفاة الملك الحسن الثاني بنوبة قلبية في مستشفى ابن سينا بالرباط، بعد ثمانية وثلاثين عاماً في حكم بلاده.
عندما أصاب العطشُ المملكةَ المغربية، جلب المغاربة الماءَ بالبواخر من إسبانيا، فأخذ الملك الحسن قراراً ببناء سـدٍّ كلَّ عام.
وفي المغرب الآن 148 سداً، أحدها سدّ المسيرة بسعة 3.8 مليار م3.
حضرتُ بمعية الملك عبدالله في الرباط، تشييعَ الملك الحسن الثاني، الذي ينتمي إلى سلالة العلويين الفلاليين الهاشميين، التشييع المهيب الذي شارك فيه نحو مليوني مغربي، ساروا ينتحبون بصدق، من القصر الملكي إلى ضريح محمد الخامس، الذي يقع مقابل صومعة حسان على ساحة يعقوب المنصور في الرباط.
وحضر التشييع الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، ومعه وفد من رؤساء أميركا السابقين، وأثناء التشييع الذي شهد حضوراً كثيفاً، وتــمّ سيراً على الأقدام مسافة 3 كيلومترات، تلفّت الرئيس كلنتون خلفه، فلم يجد أحداً من حرسه.
تقدّم نحوه ضابط شابّ، كان على بعد خطوة منه، قائلاً:
«سيدي فخامة الرئيس اطمئن، أنت في حماية الحرس الملكي الأردني»،
التفت كلنتون إلى الملك عبد الله وأرسل تحية من خلال الزحام الشديد، وواصل سيره مطمئناً.
كان كلنتون يسير قريباً من الوفد الأردني، فانتبه الملك إلى انفصال حرسه عنه، فأرسل ضابطين من الحرس الملكي لحمايته.
ولاحقاً أعـدّت قناة ناشيونال جيوغرافيك الرصينة، فيلماً وثائقياً، تجدونه على اليوتيوب، بيّنت فيه أنَّ التحدي الأكبر في تاريخ الحرس الأمريكي الخاص، كان حراسة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون في جنازة الملك الحسن الثاني، ملك المغرب.
• كتابي "من الكسارة الى الوزارة" صفحة 194-197.