جفرا نيوز - جفرا نيوز - بقلم سيف جبر الزيداني
لا يجب أن تمر الاحداث السياسية التي شهدتها باكستان خلال الاسبوعين المنصرين دون تمحيص ودراسة معمقة، فالنموذج الباكستاني ليس وحيدا أو فريدا.
ملخص ما حدث أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان تحدى النفوذ الامريكي في بلاده وقرر المضي في سياسة التقارب مع محيط باكستان وخصوصا الصين، باعتبار أن ذلك مصلحة عليا لبلاده وشأن داخلي لا يحق لأي أحد التدخل فيه.
الولايات المتحدة الأمريكية وعبر سفيرها في كراتشي تحركت في إتجاه مضاد، ودفعت بقوى برلمانية للحشد نحو سحب الثقة من حكومة عمران خان، فما كان من الأخير بالاتفاق مع رئيس الدولة إلا اصدار قرار بحل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة، وهو قرار نقضته المحكمة العليا الباكستانية بضغط من السفير الامريكي أيضا.
ما جرى بعد ذلك تفاصيل هامشية، فتعيين الحكومة الجديدة جاء ليتوج النصر الامريكي داخل باكستان ولينهي حلم الصين في إيجاد ممر لمشروع طريق الحرير، وليفتح المجال أمام سجال باكستاني في الأوساط السياسية والاعلامية والشعبية تمدد نحو الشارع الذي أبدى غضبه من قوة النفوذ الأمريكي في بلاده.
أمريكا لا تمتلك قوة عسكرية داخل باكستان قادرة على فرض هيمنتها بهذا الشكل، وباكستان اصلا قوة لا يستهان بها في الجوانب العسكرية والاقتصادية والبشرية والموقع الجيوسياسي الهام والقادر في التأثير على عدد من الملفات الاستراتيجية أهمها(روسيا، وإيران).
اذا كيف تمكنت أمريكا من فرض هيمنتها والتضحية بسمعة الديموقراطية الباكستانية وتعرية بُنية النظام فيها ام شعبه والعالم بهذه الصورة المُذلة.
الجواب على هذه السؤال لا يتعلق بباكستان وحدها، فالنموذج الباكستاني ينسحب على كل عواصم ودول الهيمنة الأمريكية المطلقة، والوسيلة التي تستخدمها امريكا عند الكل هي أجهزتها الأمنية.
وليس المقصود هنا الأجهزة الأمنية الامريكية بل أجهزة الدول نفسها، التي أصبحت في دول كثيرة أدوات للاستعمار الجديد، تنفذ أجندته وفق شروطه واملاءاته وتضمن سير مصالحه وسياساته عبر التحكم بصناعة القرار من ألفه الى يائه.
فهي التي تصنع البرلمان، وتتحكم في من يجب أن ينجح أو يسقط، وتحدد هامش المعارضة المتاح، وتفتت وتجمع الاحزاب وتصنع بعضها.
كما أنها تتحكم في تعيين القيادات في مختلف المجالات، فتختار لتلك المواقع من يخدم الأجندة دون أي اعتبار للكفاءة والقدرة، وتحمي كل من يتسق معها حتى لو كان أعتى الفاسدين، وتنكل بالأحرار الوطنيين بسبب أو دون سبب، -والأعمال بالنيات- وتضبط المشهد الإعلامي لتبرير وتسويق كل ذلك وتمسك بتلابيب الحقيقة حتى تبقيها حبيسة الاقبية والادراج.
تلك الأجهزة هي "ابو رغال" العصر وأن نُفخت بالشعارات الوطنية، أو إدعت انها خط الدفاع عن الوطن، فهي ليست إلا أداة الاستعمار بشكله الجديد، وإلا ما كان لها أن تحارب عمران خان وتُرضِخ كل القوى السياسية والبرلمانية والقضائية لإسقاطه وهي تعلم علم اليقين أنه ينشُد مصلحة باكستان.