النسخة الكاملة

الاقتصاد الذي يغلي

الخميس-2022-03-13 12:35 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - إسماعيل الشريف

«حقًا إن الإنسان يتعلم هنا كيف يتعوّد على احتمال كل شيء»، دوستويفسكي.

تقول القصة، بأن شخصًا جائعًا ألقى ضفدعًا في قِدرٍ من الماء المغلي فقفز الضفدع على الفور، خطرت على بال هذا الشخص فكرة لئيمة للغاية؛ فملأ القِدر بماء بارد ووضع الضفدع به، ثم بدأ برفع درجة حرارة الماء تدريجيًّا، وعندما غلى القِدر لم يقفز الضفدع؛ فقد اعتاد حرارة القِدر.

ينفي العلماء هذه القصة، ولكني أجزم بأن اقتصادنا مبني على أساس نظرية القِدر الذي يسخن ببطء، وحتى أثبت صحة ما أقول سأسوق سبعة أمثلة تُرفع بها حرارة قِدرنا تدريجيًّا:

1- التضخم؛ منذ سنوات طويلة والأسعار تزداد بشكل بطيء تدريجيًّا، قارن بين أسعار السلع هذا الشهر والذي قبله، وقد تكون التسعيرة الشهرية للمحروقات مثالًا واضحًا؛ فهي ترتفع ارتفاعًا بمقدار قروش قليلة كل شهر ليتخطى سعر لتر البنزين الدينار، والذي أصبح هو الأساس الطبيعي.

2- الاشتراكات؛ فقبل سنوات أضيف على أعباء معيشتنا الهاتف، ثم ألحق به اشتراكات على نفس الفاتورة كحجب الرقم أو معرفة المتصل عند إغلاق هاتفك، ثم اشتركنا بالإنترنت ثم اشتركنا بالتطبيقات والبرامج التي تزداد يومًا بعد يوم.
3- استنزاف الموارد؛ غاباتنا أصبحت في خطر من التقطيع الجائر، وما عليك إلا زيارة الأحراش كل سنة لتلمس الفرق، وقبل سنوات ظهرت لدينا أزمة مياه وتعمقت تدريجيًّا حتى أصبحت أزمة وجودية، ومن أسبابها سنوات من سوء إدارة مواردنا المائية.

4- التخاصية أو الخصخصة أو التحول إلى القطاع الخاص؛ فمنذ تسعينيات القرن الماضي ونحن نبيع تدريجيًّا أصول الوطن، وما زلنا نقوم بذلك، وللأسف لم ينعكس ذلك إيجابًا على اقتصادنا.

5- المديونية؛ مديونيتنا آخذه بالارتفاع التدريجي منذ سنوات، وكلما استدنّا زدنا فقرًا وارتهانًا للمؤسسات الدولية المانحة.
6- الإلهاء الفكري؛ ففي كل أسبوع نسمع قصةً ما نتفاعل معها، وفي كل شهر نقضي وقتًا أطول خلف الشاشات، ونهدر وقتنا على حياة المشاهير والنميمة والاستهلاك والتفاهة.

7- ومع هذا الارتفاع الكبير في كل شيء، إلا أن الأجور ما زالت ثابتة تقريبًا، غبت أكثر من عشرة أعوام عن سوق العمل وحين عدت تفاجأت بأن الرواتب لم تتغير منذ ذلك الحين، وتقول الدراسات بأن إنتاجية الموظف قد زادت أكثر من 250% منذ عام 1972، ولكن الرواتب لم تزد أكثر من الضعف (وهنا نتحدث عن القوة الشرائية) فكان هذا من أسباب تركز الثروة بيد قلة قليلة، وقرأت منشورًا لا أعرف مدى صحته؛ بأن أقل من عشرة أشخاص في الأردن يملكون ثروة تعادل ثروة أربعة ملايين شخص.

وقد يضاف إلى هذه النقاط السبع تزاوج المال بالسياسة، والتي بدأت تدريجيًّا مع الانفتاح الاقتصادي ووصفات البنك الدولي، فحولت رجال الأعمال إلى أهم السياسيين، ثم توقيع الاتفاقيات الاقتصادية مع العدو، فبدأت بالغاز لتنتقل إلى المياه ثم هنالك احتكارٌ للعديد من المواد الاستهلاكية، وغيرها من التسخين التدريجي.

لم يصل اقتصادنا بعد إلى حالة الغليان، ولكنه يكاد يلامسها، فملايين الأردنيين يواجهون ظروفًا معيشية مستحيلة، ومعدلات البطالة قد وصلت لأعلى مستوياتها، ولو كنت محظوظًا ووجدت عملًا فبالكاد سيوفر حياة كريمة أساسية.

وعندما نصل - لا سمح الله - إلى حالة الغليان هذه، لن نسمع دوي القِدر، بل سنسمع أنين الضفدع، وحينذاك سنكون قد نضجنا!