النسخة الكاملة

المقالة رقم 500

الخميس-2022-01-22 01:18 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم محمد داودية* - حملت مقالةُ عرض حال في الدستور يوم أمس الرقم 500. وقد انقطعتُ عن كتابة عرض الحال لأنني عملت في الديوان الملكي وسفيرا ووزيرا.

ونظلم رئيس التحرير إن ظن القراءُ أنه رقيب !! فرئيس التحرير يحب بالطبع أن تكون المقالات التي تُنشر في صحيفته، ذات طعم ونكهة وخشونة، وأن تكون ذات مخالب  في القضايا المحلية ذات الإهتمام الواسع من الرأي العام. ويقع رئيس التحرير بين ضغط المسؤولين الصغار والكبار. وبين عدة جهات ومرجعيات. ضغطٌ من الأعلى وضغط القراء الهائل. ورئيس التحرير يحب أن يرتفع عدد قراء صحيفته المشروط برفع السقف الذي لا يؤدي إلى الإغلاق. 

ويجدر أن استذكر أسلوب الأستاذ جمعة حماد طود الصحافة الفلسطينية والأردنية، في مراوغة المسؤولين ! كانت الصحف كافة، ترتكب أخطاء فعلية أو اخطاء سياسية، لا تناسب هوى ذلك المسؤول أو تلك السفارة، فتتلاحق الإتصالات المحتدة المهددة مع أبي أسعد. كانت طريقته الفذة التي اطلقنا عليها "تمزيط" الكلام  تتلخص في ترويض المتصل، وسحب اهتمامه إلى موضوع بعيد عن موضوع الإتصال. كأن يلخم المتصلَ بالقول: معاليك أنت غير مشمول بالتعديل الوزاري. أو ما تنسانا يا عطوفة الأخ بعد التعديل، البشرى لنا. 

لقد أُغلقت في تلك الحقبة العرفية البعيدة، صحيفتا الأخبار والشعب. وأغلقت مجلة الأفق. لم تكن الصحف تتمتع ب "حق الخطأ". كان ذلك بسبب ضيق الأفق والنكايات والوشايات الصغيرة الكاذبة، وبسبب سوء الفهم والظلم. 

وتعالوا نستعرض أسماء من طالتهم "إجراءات المنع التأديبية": 

تم عزل رئيس تحرير الرأي محمود الكايد، ورئيس تحرير الدستور محمود الشريف. 

ومُنع كُتابْ من الكتابة ومن العمل، ليس بينهم من هو ضد النظام: فخري قعوار، فهد الريماوي، بدر عبد الحق، خالد محادين، عبد الرحيم عمر، فهد الفانك، طارق مصاروة ومحمد داودية. 

كانت الصحيفة مرجعا وزادا سياسيا ومعرفيا وثقافيا يوميا للمواطن. وكانت المقالات مراجع ينتظرها المواطن ليعرف ويفهم ويرى إلى أين تسير الأمور. 

ولم تكن الكتابة في كثير من الحالات، إنشاءً وتدبيجا وتحبيرا. بل كانت مقالات رأي، تحمل معلومات وتحليلات، وكانت كلفة الصدق عالية. 

كانت مكانة المقالات وقيمتها في الصحف لا تقل عن 20%. فقد كان الصحافة صحافة أخبار لا صحافة رأي. على عكس ما يجري اليوم  حيث كل مواطن مخبر، وكل هاتف تلفزيون وإذاعة. 

ويتبقى أن المواطن المهتم ينتظر المقالة السريعة الرشيقة الصادقة المعلوماتية المقتصدة في المفردات التي تحمل هم المواطن والوطن.

ليس صحيحا ان الصحف الورقية في تراجع !! فالدراسات والاستبانات العالمية تبين أن هناك زيادة في الإقبال مقدارها 7%. وأرقامنا في الدستور تشير إلى زيادة في الاشتراكات تبلغ بين 300-400 مشترك شهريا.

 3-3

والناس لا تجد وقتا ولا نفَسا لقراءة المطولات، سواء أكانت مقالات أو روايات أو دراسات، بسبب الضعف الملموس في القراءة عموما.

كنا ننتظر بلهفة ونقرأ بمتعة، مقالة محمد حسنين هيكل «بصراحة»، كل يوم جمعة، رغم أنها تنفرش على صفحتين كاملتين في الأهرام. اليوم «اخو اخته» من يطيق ويتحمل قراءة مقالة لأي كاتب اكثر من 400 كلمة. أنا لا أتحمل.

كانت المقالة مهمة ومؤثرة ومرقوبة، لدرجة أنها كانت تثير اهتمام الملوك والزعماء في العالم.

عندما توليت مهمتي في إعلام الديوان الملكي، قال لي الرئيس الدكتور خالد الكركي، الشرط الوحيد هو أن تتوقف عن كتابة «عرض حال» !
وبرر.

كان الملك الحسين في زيارة دولة إلى فرنسا، فقال له الرئيس الفرنسي شيراك، وهو يستقبله على درج قصر الإليزيه، إن مستشارك الصحافي لا يحب فرنسا التي تحبكم. وهو بالطبع لا يعبر عنكم !

كان المقصود سلفي الأستاذ خالد المحادين، مدير إعلام الديوان الملكي، الذي كان يكتب مقالة اسبوعية في الرأي، تعرض في احدها بالنقد اللاذع للسياسة الفرنسية.

توقف خالد عن الكتابة.

كتبت مقالة في «صوت الشعب»، حول قانون العشائر الذي كان يناقش في مجلس الأعيان. رد الملك الحسين على المقالة بتصريح غاضب قال فيه: «أنا من قريش أعز قبائل العرب».

قال لي رئيس التحرير، ذو الأفق الإعلامي والسياسي الرحب، الأستاذ نصوح المجالي، الذي كان مبتهجا: افرح يا عم، الملك يرد على مقالتك !!

نظر نصوح للموضوع بأفق الخبير وشجاعة المسؤول، ففهم من دلالات الرد:
انني كتبت مادة مهمة.

أن الملك قرأ مقالتي.

أن الملك يصرح ويكتب حين يغضب، ولا يسجن ولا يكسر رؤوسا.
أن الملك وجّه رسالة إلى قادة العالم أن هذه هي حرية التعبير والرأي.
و بأمانة، فقد دافع رؤساء التحرير عن الكُتاب، وتحملوا التسرع والأخطاء والخروج على الخط و"خزق" السقف. وقد مكننا التوكؤ على تلك الأطواد، من المضي قدما في كتابة ما يفيد وما يُقرأ.
قال لي معلمي طارق مصاروة وكنت ممنوعا من السفر. أنت لا تدري ان ضباط شؤون الأردن في المخابرات العامة مرتاحون لما تكتب ! وأنهم يحمونك ! وأن عليك ضغطا يهد الجبال ! قلت ممن قال: من هوامير الفساد.
أحاول ان اضغط «عرض حال» لتصبح 300 كلمة فما دون. فما جدوى ان نكتب مطولات، لا تتناسب مع إيقاع الحياة السريع، ولا مع ذائقة القراء العجولة، التي تناسبها فقط مقالات «الاقتصاد» في الكلمات.
اعترف انني اتعبت رؤساء التحرير واحببتهم، فهم الذين في الواجهة. لقد عملت بمتعة مع راكان المجالي وعبد الرحيم عمر وإبراهيم سكجها وطارق مصاروة ومريود التل و ذهني رأفت ويوسف ابو ليل وابراهيم ابو ناب وعبد السلام الطراونة ومحمود الشريف ومحمد حسن التل.

واعترف انني اعمل بمتعة أيضا مع زميلي المُجدد الأستاذ مصطفى الريالات، لا أتعبه ولا يتعبني. فالزمن مختلف والحوصلة أوسع.

*رئيس مجلس إدارة الدستور ووزير سابق
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير