جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب- الدكتور محمد الدباس
أظهر تقرير البنك الدولي الصادر مؤخرا إلى أنه قد كان لجائحة فيروس كورونا تأثير متفاوت على الفئات الفقيرة والأشد احتياجاً خلال هذا العام، فقد دخلت الكورونا عامها الثالث على التوالي، وبرزت تفاوتات متعددة من حيث إختلاف مسارات التعافي الاقتصادي العالمي من جهة؛ إلى عدم تكافؤ فرص الحصول على اللقاحات من جهة أخرى؛ ومن اتساع خسائر الدخل إلى التفاوت في التعليم والتعلم، وتسببت الجائحة في انتكاسات متباينة في مسار التنمية، وأنهكت الجهود الرامية إلى إنهاء الفقر والحد من عدم المساواة، كما أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر في عام 2020 للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً، حيث يعيش الآن نحو 100 مليون شخص على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم.
أشير الى أن النموذج الرياضي المحوسب لجامعة واشنطن الأمريكية(IHME) -وهو النموذج الأكثر دقة للتوقعات لما يتعلق بالكورونا- قد أظهر إلى أنه من المحتمل خلال الشهرين القادمين إصابة أكثر من 40% من مجمل عدد السكان في العالم بهذا الفيروس، حيث تظهر ذروة الإصابات العالمية بهذا الوباء في نهاية الشهر الأول (كانون ثاني) من العام القادم، في حين ستكون ذروته في الأردن في نهاية الشهر الحالي.
كذلك بين تقرير البنك الدولي زيادة غير مسبوقة في (فقر) التعلم؛ فقد ظهرت أحد الآثار المدمرة لجائحة كورونا على الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً في مجال التعليم. إذ إن جائحة كورونا وجهت ضربة قاسية لحياة الأطفال الصغار والطلاب، وأدت إلى تفاقم أوجه عدم المساواة في فرص التعليم، وبسبب إغلاق المدارس والجامعات لفترات طويلة وضعف نواتج التعلم، فقد بينت التقديرات الأخيرة للبنك الدولي إلى أن زيادة فقر التعلم - وهي نسبة الأطفال في سن العاشرة الذين لا يستطيعون قراءة نص بسيط - يمكن أن تصل إلى 70% في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل، هذا من حيث الأثر على الأفراد؛ أما فيما يتعلق بالدول فالسؤال المطروح؛ متى ستتعافى إقتصادياتها؟ وخصوصا وأننا أمام ثورة إقتصادية فيها التخلي عن العمالة وأتمتة العمليات وهي محاور رئيسية للإقتصاديات القادمة؛ مما يعني بأن نسب البطالة سترتفع تلقائيا جراء هذه الثورة الرابعة للإقتصاد والصناعة؛ حتى لو لم تكن الجائحة ظرفا ملما مسيطرا.
إذن لن يكون الحل إلا بمزيد من البحث عن خطط ومشاريع معرفية ربحية، وصناعية- تجارية غير تقليدية، لأنه وبكل بساطة فلن تستطيع الدول النامية التعايش دون خطط إبداعية، وللعلم فديون هذه الدول ومنها الأردن؛ تلعب ديونها دورا مهما في تقليص فرص الإستثمار، ويتوجب الإعلان المسبق عن مجمل حجم الديون المتراكمة، حيث يقول رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس: ((تُمثل زيادة شفافية الديون خطوة حيوية في عملية التنمية؛ إذ تيسر دخول استثمارات جديدة ذات جودة عالية، وتَحُد من الفساد، وتضمن المساءلة)).
وفي الوقت نفسه ومع شروع بعض البلدان في رسم معالم تعافيها، فإن ذلك يمثل أيضاً فرصة لها لتحقيق نمو اقتصادي دائم دون الإضرار بالبيئة أو مفاقمة أوجه عدم المساواة، فقد أظهر عام 2021 أن تأثير الجائحة بعيد المدى ويطال كل مجال ممكن من مجالات التنمية، ومع تحمل الفئات الفقيرة والأشد احتياجاً لوطأة الجائحة، فقد وجهت الجائحة نكسة حادة أمام القضاء على الفقر وتعزيز فرص الرخاء المجتمعي. ولكن الأمور ليست قاتمة بالقدر الذي قد نتصوره، فخلال هذا العام شهد العالم بعضا من التطورات الإيجابية، إذ نمى الاقتصاد العالمي وانتعشت تجارة السلع، وبدأت أسعار السلع الغذائية في الاستقرار، وشهدت تحويلات العاملين في الخارج تعافياً قويّاً. ومع ذلك وفي ظل ظهور المتحورات الأحدث والتفاوت في إمكانية الحصول على اللقاحات، فلا يزال هناك الكثير مما يتوجب تنفيذه من قبل الحكومات.
وخلاصة القول؛ فإن ما نريده تحديدا هنا في الأردن؛ هو تحديد معالم تعافٍ أخضر وقادر على الصمود وشامل للجميع، من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو، والاستفادة من الثورة الرقمية، وجعل التنمية أكثر مراعاة للبيئة وأكثر استدامة، والاستثمار في مواردنا البشرية المتاحة.