جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب محمد داودية
لو لم يتم اغتيال وصفي التل في القاهرة قبل 50 سنة، لقضى على سريره، قبل 10 أو 20 سنة، في حادثة سيارة، على طريق الجنوب الذي أحبه، أو قهرا على أحوال الأمة العربية التي كانت أكبر همومه، أو بجلطة أصابت قلبه الشجاع، قهرا على صعود السماسرة والفاسدين والسفلة، هذا الصعود الشاقولي.
ولو ظل وصفي حيا، لكان عمره الآن مئة سنة وسنة، ولكان حوله في منزله بالكمالية، أصدقاؤه طاهر المصري، وصلاح أبو زيد، وعدنان أبو عودة، ونذير رشيد، ومنذر حدادين، وحيدر محمود، والرجال الذين ترجفُ قلوبُهم عندما تجئ سيرتُه، كما ترجفُ قلوبُ العشاق في الموعد الأول.
اغتالوا وصفي عمليا، قبل يوم استشهاده رسميا، في مثل هذا اليوم قبل 50 سنة. فقد تمّ وصمه بالجزار قاتل الفدائيين، و في الداخل، أخذت التعبئة ضده وجها آخر، فقد تم وصْفُهُ بأنه "منقذ النظام والكيان والشعب من سيطرة المنظمات الفلسطينية"، حتى أصبح في "المهداف"، باعتباره عدو الفلسطينيين.
سُرّح وصفي من الخدمة في الجيش البريطاني في الأربعينات، لميوله القومية، فانضم إلى حركة القوميين العرب، ثم إلى جيش الإنقاذ، وكان أول من رفع شعار "عمان هانوي العرب"، وقاعدة انطلاق العمل العربي لتحرير فلسطين.
ويا لسخرية الأقدار، هذا الضابط الأردني القومي الشجاع، الذي قاتل دفاعا عن فلسطين، وجرح من أجلها، اغتاله مضلَلون، لم يقاتلوا من أجلها.
ومعلوم أنّ وصفي، رفيق الحسين وسنده، أَصرّ على عدم دخول حرب حزيران 1967، لأنّها "حربٌ قبل أوانها" ولأنّ هزيمة مؤكدة ستلحق بالأمة، وأنّ نتيجة الحرب ستكون احتلال الضفة الغربية وغزّة والقدس.
وصفي، نجل الشاعر عرار، المناضل الطبقي، نصير المحرومين، وخصم المرابين والفاسدين، وأول من نبّه إلى خطر وعد بلفور والصهيونية في قصائده، و مَن حدد أنّ طريق الأحرار ليست مأمونة.
لقد إنفثأ التزوير والظلم، الذي لحق بصورة الفارس وصفي، فهاهي ذكراه محفوفة باسمى درجات التبجيل والإعتزاز. وقد مضى الفارس إلى مصيره بإِقدام، عندما قال لنذير رشيد مدير المخابرات، الذي حذّره من مؤامرة تنتظره في القاهرة: "ما حدا بموت ناقص عمر يا نذير".