النسخة الكاملة

للحرية حدود..وللكذب

الخميس-2021-11-18 09:14 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي.

في الغابة شريعة؛ هي في حقيقتها حرية مطلقة وليست "ديكتاتورية"، كما يصورها ويفهمها، كثيرون، فكل كائن في الغابة يعيش على طريقته الغرائزية، ويتمخض عن هذه الحرية اللانهائية أن القوي يأكل الضعيف حرفيا، وكذلك يفعل الذكي أو السريع أو الضخم مع الغبي والبطيء والضئيل، لذلك يمقت الإنسان هذه الحياة البدائية، ويعلق رافضا لكل مواقف وأشكال الخروج عن الإنسانية ومبادئها بالقول: رجعنا شريعة الغاب.
هل قلنا الخروج عن الإنسانية؟!.

حسنل؛ للإنسان عقل وقيم ومبادىء، إن تخلى عنها فهو يفقد إنسانيته وتميزه عن كائنات الغابة،  وصاغت البشرية قوانينها من العقل والقيم والمبادىء، ولعل أهم ما يخرج الإنسان عن إنسانيته هو اتباعه لمصالحه ومحاولته الحفاظ عليها، فتصبح كل همومه غرائزية، فيتساوى مع الكائن البدائي ويعود يحتكم لقانون الغابة..

لا أتحدث فلسفة، بل أحاول تقديم مثال بسيط يبين أصل مفهوم الحرية في الغابة فهي باختصار تحرر من القانون، والقانون هو الذي ميز الإنسان ورفعه، ومنبع القانون هو المنطق والعقل ومنظومة القيم، وحزمة مبادىء معروفة، فللحرية وممارسة الحقوق حدود، يضبطها ويحميها القانون، وحين نطالب بديمقراطية تمنحنا حرية، فسوف نتخلى عن انسانيتنا وتميزنا إن لم تكن غاية الديمقراطية هذه، هي سيادة القانون.

لكن ماذا عن الكذب وحدوده؟!.
نعرفه بانه خلق ذميم، قد يترفع عنه كائن الغابة نفسه ( اللي هو الحيوان )، بل إن الحيوان قليلا ما يمكر ويكذب، إلا إن كان ضعيفا او غبيا او ضئيلا او بطيئا، ويكتسب خبرة المكر والدهاء ليعيش بين كائنات الغابة القوية والسريعة والذكية والضخمة.. لكن الإنسان يكذب (طول عمره على الكوكب وهو يكذب)، فجاءت القيم والأخلاق والقوانين من السماء، وعلى ألسنة رسل اختارهم الله، وأوحى إليهم بوحي العقل والمنطق والقيمة المثلى والقانون الكامل أحيانا.. وطالب الإنسان بالالتزام بها (بصدق)، فكل شيء واضح بالنسبة للارادة الإلهية..

أخطر الكذب، هو الذي يتجاوز الحدود كلها، حيث يتفلت الكاذب من العقل والمنطق والقيم والمبادىء ومن القانون بالطبع، فتعود الحياة أقسى من حياة الغابة بالنسبة للصادقين، والطامة الكبرى حين يغيب الصادقون، ويصبح الكذب (ملح الرجال)، وقيمة مشروعة في مجتمع، يشهر سلاح الضعفاء ليعيش بين كل الذين يعتقدهم أفضل منه وأقوى وأسرع وأكثر عقلانية ومنطق ويتمعون بأخلاق طيبة ومبادىء إنسانية سامية.

في كورونا مثلا، كلنا نكذب على أنفسنا، حين نتحرر من القيود الصحية، ونقنع أنفسنا أن كورونا غير خطرة او غير موجودة أيضا، فترتفع الإصابات من جديد، ويموت الناس ثانية، وهنا تأتي الجهات الأخرى لتكذب على الدولة وباسمها، فتشرع بالإغلاقات والحظر..الخ الاجراءات المعروفة، وتنسى ان الوضع الاقتصادي في البلاد لا يمكن أن يحتمل اغلاقات من جديد، فلا يتوقف عن العمل إلا من كان يملك قوته الكافي، ومن لا يملك فلن يعتبر الإغلاق والحظر الا موت اختياري..
 وهنا يجب ان نعرف حدودنا حتى في الكذب على بعضنا وعلى أنفسنا.

الكذب آفة قاتلة، ويجب أن نرسّم حدودها، حتى لو نضب الكذب وأصبح معروفا مكشوفا، علينا ان نعيد ترسيم حدوده، لعلنا نستخدمة للمرة المليون وينطلي على أنفسنا وعلى بعضنا.
أمس؛ توفى الطفل الصغير أمير، بعد أن عانى مرض تليّف الرئة، ولا أعلم حتى اليوم إن كان في العالم علاج فعلي لهذا المرض، لكن الطفل الصغير توفى وأصبح في ذمة الله، ولا نملك إلا أن نارحم عليه ونعبر عن مشاعر التعاطف والحزن مع أهله وذويه، ومع كل المرضى والمكروبين، ونسأل الله أن يشفيهم ويجنبنا وإياكم شر الابتلاءات، بينما ما حدث أنس، هو مثال صارخ عن تجاوز حدود الحرية وحدود الكذب، وعودة الى الغابة وإملاءات البيئة، بل وصل بعضهم حد الإنمساخ، حين تاجر بمأساة عائلة، ومارس حرية تعبير وادعى مشاعر كاذبة بينما هو في الحقيقة يريد (لايكات) ..
صدقوا إن قلت لكم: إن الكذب ضعف وخسة ونذالة، وانمساخ.