جفرا نيوز -
جفرا نيوز - في مدن اليأس ، وشوارع الاحباط ، وعلى أرصفة الحرمان ، ستجد مئات الحكايا التي يلعب فيها القهر دور البطولة بلا منازع ، واليوم يستمر المشهد قتامة ويستمدها من الوضع الاقتصادي الصعب ، والبطالة المترامية الأطراف ، وسرطان الفساد ، وغلاء الأسعار ، وضيق سبل العيش ، ووباء المحسوبية والواسطة واللذين يسبقان وباء كورونا ، الذي جاء هو الآخر ليعري الواقع أكثر فأكثر ..
وعلى الرغم من الاستياء الذي أصبح الطابع الدارج في المناخ العام للشارع المحلي ، وذلك انعكاسا لتردي الأوضاع ؛ إلا أن خبر وفاة الخياطة حمدة شهيدة الصبر والعمل ولقمة العيش ، لاقى استياء ً يفوق الاستياء المعتاد كما وجاء خبر وفاتها - رحمها الله - ليفجر مشاعر الكثير ممن يعانون من ضنك الحياة ، وعسر الحال ، وضيق ذات اليد على اختلاف مواقعهم وأعمالهم ..
ولأننا تعودنا أن ننظر للمسائل نظرة المنطق ، وأن نغلب العقل على العاطفة ، فالعاطفة وحدها لا تكفي لحل مثل هذه القضايا ، نفتح اليوم عددا ليس بالهين من تساؤلات برسم الاجابة ؛ إلى متى سيظل العامل في الأردن يعاني من العديد من المشاكل والتحديات من عمل السخرة أو تدني الأجور ، والإذلال ، والعقود المعقدة ، وغياب الدور الرقابي الجاد والحاد على المنشآت بما يكشف حقيقة واقع الموظف أو العامل في تلك المؤسسات والجهات على اختلاف أنواعها ، فإلى متى يخسر العامل عمله في أية لحظة ، أو يفقد حقوقه ، أو تجتزأ ، أو يفصل ... أو حتى يموت قهرا .. ؟!
كما وتكون سرعة الظلم الواقع عليه أعلى بكثير من سرعة استعادة حقه ، أوليس العدالة لا تجتزأ ؟! فأين هي اليوم ؟؟!!!!
ومن المؤسف حقا ، الاستمرار في ترخيص عمل العديد من تلك المنشآت والمصانع ، وعدم محاسبة المتغولين فيها ، وغياب فرض القيود والشروط عليها بالشكل الذي يكفل للعامل جميع حقوقه دونما نقصان ، فهذه الشركات الأجنبية أو كما نسميها ( الشركات المتعددة للجنسيات ) التي تخترق دول العالم الثالث ، وتبني مستعمرات الانتاج الخاصة بها على أراضي تلك الدول ، البعض منها تحمل في ظاهرها الرحمة ( توفير فرص العمل وتنمية المجتمع وغيرها ) ، ولكن باطنها مليء بالعذاب ( العبودية / الأجور المتدنية / رفع معدلات الانتاجية المطلوبة من العامل الواحد دونما رحمة وبنفس العدد من الساعات وبذات الأجر ) ، هذه الشركات عرفناها منذ عقود تمنح للعاملين الفتات ، وتصدر منتجاتها وخدماتها بمئات الآلاف ، لم يكن يكفيها ميزة الجشع بل تفشى الأمر إلى الاستعلاء على العاملين وإذلالهم فهل هذا معقول ؟!!!..
علاوة على ذلك ، إن هذه الشركات تحقق جانبا لا يمكن التقليل من شأنه نحو المجتمع ، ولكن تغولها وتطاولها على العمال ليس إلا نتيجة التراخي والاهمال من المؤسسات المعنية بضمان حق العامل / الموظف بوجه عام ، فأين دور هذه المؤسسات من هذا الاضطهاد الواقع والممارس على العاملين في أروقة تلك الشركات والمصانع والمؤسسات ؟!
كما وإن حمدة الخياطة التي قايضت التحمل بلقمة العيش ، وحجم الضرر اللفظي المعنوي الواقع عليها والذي أودى بحياتها حيث وانتهى بها المطاف بالموت قهرا وكتمانا ليست حالة فردية ولن تكون الوحيدة في واقع كبير مليء بالكثير الكثير ممن هم يعانون مثلها من صراع ما بين نارين ( نار القهر ونار الفقر ) ، فمن سيستعيد حق حمدة وحقوق الآخرين ؟؟!! ..
فهل يمكننا السكوت عن وفاة حمدة بمنتهى البساطة ، والعديد من مؤسسات وشركات القطاع الخاص ( محلية كانت وأجنبية ) التي تتفنن في ممارسة استعباد مرؤوسيها ، وما بين تهديد ووعيد ، وما بين حسم وفصل وحرمان ، وما بين قهر وكتمان ، تمضي في أعمالها بلا رقيب أو حسيب !!
أكاد أجزم أننا لو بحثنا وسألنا لوجدنا كم كانت حمدة تحلم بالحصول على فرصة العمل هذه ، وكيف كانت تترقب خبر قبولها والالتحاق فيه على وجه السرعة ، فهل من المعقول أن يتحول الحلم البسيط إلى لعنة موت ؟! ، وهل من العدل بشيء أن يعمل الانسان ليسد حاجته عن الآخرين ويواجه الذل والقهر ؟!!
لروحك ِ يا حمدة السلام أيتها المكافحة ، والصبر والسلوان لذويك ِ ، والنصر والقوة لزملاء حمدة في كل مكان ، ممن ألقت بهم الأيام في كابوس التحمل ، وصراع الحياة الذي لا يرحم ، آملين أن يجدوا من يرفع الظلم عنهم قبل أن يموتوا قهرا أو حرمانا ..
وإلى الله المشتكى
وإلى المسؤول تذكرة بحفظ حقوق أبناء هذا المجتمع
فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة في مجال حقوق الانسان