النسخة الكاملة

أمي

الخميس-2021-10-04 10:08 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - جهاد المنسي

كأنه حلم، كأنني في كابوس، هي لحظة كانت كفيلة لنقلي من عالم لآخر، من شخص يذهب لبيت أهله اعتياديا ليجد أمه بوجهها البشوش المشرق لتجالسه وتحدثه عن حاله وأحواله، لشخص يذهب للمقابر لزيارة الأب والأم هناك.
آه أمي بلا إنذار رحلتي، بلا مقدمات او رسائل مسبقة، هكذا بسرعة البرق وأسرع! آه امي لمن سأحكي همومي؟ كيف لي أن اذهب الى ذاك المكان مجددا؟ وهل لي ان أحتمل ألا تكونين؟
آه أمي، ما أزال غير مصدق، كيف لي أن أعتاد ذاك؟ كيف لي أن أحتمل عدم رؤيتك؟ من سيرافقني في المناسبات والأتراح؟ كيف سيأتي رمضان والعيد دونك؟ وهل بات لهما طعم او لون!.
آه أمي، هل أحلم؟ هل سأفيق لأتصل بك وتردين علي؟ هل سأذهب هناك فأجدك حيث كنت تجلسين؟ هل هذا كابوس سأفيق منه لأراك امامي تبتسمين؟ آه أمي كنت سريعة، اربع سنوات فقط لتلبية نداء أبي والالتحاق به، آه أمي يا باب الجنة ورائحة الارض، آه أمي يا صافية القلب والروح والاسم، آه أمي، أنبيك أنني منذ الخميس قد هرمت، كبرت عشرات السنين دفعة واحدة.
يا أمي، هل لي من طلب أخير؟ هل لك ان تردين علي لو مرة واحدة؟ آه أمي ما أتعس أيلول، ما أصعب أن أسمعك قبل ساعات وأخسرك للأبد، آه أمي كيف لي ان أستوعب ما جرى؟ وهل بمقدور مثلي ان يحتمل ذاك؟، هل لي ان أحتمل ألا اجدكِ في صباحات يومي؟ هل لي ان أتحمل ان أزور ضاحية الحاج حسن ثانية؟ هل لي أن أزور البيت والمقعد والسرير من جديد؟ هل لي ان أقوم بسقاية الأشجار حول البيت وأتفقد الماء بعد ذلك؟ أمي يا باب الجنة ردي علي ولو مرة واحدة.
آه أمي، آه ما أصعب الفراق وأقساه، ما أصعب ان اشعر أنني بلا أم، وأنا الذي لم اعتد حتى الآن على فقدان الأب، امي استعجلت الرحيل، رحلت بصمت الأمهات، استعجلت الذهاب سريعا لأبي، لم يحل بينك وبينه فرق العمر ابدا، أمي يا باب الجنة وبداية ونهاية القلوب الطيبة، من سيخبرني ويذكرني بأيام مخيم الفوار، وكيف خرجت من القبيبة وانت بنت 6 أشهر او قليل، أمي أتذكرين قبل أسبوع عندما ذهبنا معا الى المقبرة لزيارة ضريح والدي وزوجك، كنّا نذهب معا يا أمي، نذهب كل شهر او اقل، يا أمي ما أصعب ان أصحو دون رؤياك.
آه أمي، لن أستطيع أن أبوح بما يختلج الصدر من عصارة ألم، آه أمي يا بداية الغيث ونهايته، يا كل الربيع وروعته، أيتها الطيبة القنوعة، أيتها الودودة كيف لي ان أستوعب انني سأفتقد دعواتك لي ولأولادي، آه أمي من سيحتفل معي بتخرج مؤيد ابني بعد ستة اشهر في كلية القانون، ومن سيطلق زعرودة الفرح في تخرج يارا بعد عامين في كلية طب الأسنان، ومن سيطلق قبلة على خد مراد عندما ينجح في التوجيهي هذا العام، آه أمي سأبكيك أبد الدهر، ولن أفيك حقك أيتها الصابرة المجاهدة المثابرة البشوشة القنوعة.
يا أمي، لذكراك خلود أبدي ولي يا أمي لوعة الفراق، وكيف لا أشعر بالفراق وأنا ما أزال أسمع صوتك في ارجاء البيت والردهات، كيف لمن كبر سنين بعد يوم الخميس ألا يشعر بمرارة فقدان عمود بيته وسعادته ونجاحه وتوفيقه، أيتها الصفية لي والصافية دوما بلا رتوش او مواربة.
أمي بكاك الجميع واستذكروا نقاء سريرتك، صفاء قلبك، دفء لسانك، أمي لذكراك الخلود الأبدي، ولروحك سلام وسكينة، ولقلبك الهدوء، ولجسدك الراحة ولك الجنة، امي طرزي سلامي لأبي.