جفرا نيوز -
جفرا نيوز - فايز الفايز
في الوقت الذي تتسابق الجزائر والمغرب في تدعيم قواتهما العسكرية بالأسلحة وشراء الطائرات المسيرة دون طيار من تركيا والصين بملايين الدولارات ضمن حرب باردة قد تشعل حرباً بينهما لا قدر الله، فإن الجارة الصغيرة تونس قد سجلت لأول مرة في العالم العربي تنصيب سيدة رئيسة للحكومة، بعدما اختار الرئيس التونسي قيس سعيّد الدكتورة نجلاء بودن رئيسة للوزراء، فهل كان اختيار سعيّد لبودن هروبا من مقارعة الرجال والمعارضة والمجيء بسيدة البنك الدولي لتحكم الخضراء، أم أن العالم العربي بدأ يتغير في نظرته للقيادة المركزية وإن كانت حك?مة يقودها حاكم أعلى؟
لا شك ان الدول العربية على الشاطئ المتوسطي الغربي يختلفون شيئا ما عن أشقائهم الشرقيين الذين لا تقابلهم السواحل الأوروبية مباشرة، ولا تزال الجبال والرمال ملعبا لدفن رؤوسهم هربا من الحقيقة التي وصمت العالم العربي والإسلامي القديم، ولذلك نرى أن الثقافة الأوروبية خصوصا الفرنسية والإيطالية قد انعكست على دول المغرب العربي بثقافة مختلفة ونمط حضاري أكثر انفتاحا من بداوتنا الشرقية، ولهذا لم يكن من المستغرب أن تكلف امرأة برئاسة حكومة في تونس التي لا تزال تعاني من الانقسام السياسي، والخشية من صراع جارتها ليبيا التي ت?به عرب الشرق بأكثر عنادا وتخلفا سياسيا، وقد يكون القرار التونسي محفزا للتفكير بتنصيب نساء أخريات في المنصب الأول للتغلب على عقدة الذكورية الفاشلة في إدارة الحكومات العربية.
إن مسألة الدفع بالنساء لمقاعد القيادة ليس ابتكارا غربيا في الواقع، ومع أننا نرى كيف هو التصور لدى مراكز القوى في أوروبا وأميركا التي تشترط منح النساء دورا في الحكومات والممثليات السياسية والبرلمانية العربية بالإكراه كشرط لتقديم الدعم المالي أو التلويح بالعقوبات للبعض، فإن التاريخ الشرقي والعربي يعطينا الصورة المشرقة لملكات ورئيسات تبوأن سدة الحكم بفضل الحكمة التي حزن عليها بالذكاء والفطنة والقيادة الحكيمة، فمن نبأ الهدهد عن بلقيس ملكة سبأ زمن الملك سليمان، حتى ملكات مصر كحتشبسوت ونفرتيتي وكيلوبترا وغيرهن، ?لى شجرة الدرّ التي حكمت بعد زوجها الأيوبي ثمانين يوما، وقادت فيها حربا ضد الحملة الصليبية وسجنت الملك لويس التاسع عشر.
ليس ذلك فقط بل حكمت الملكة زنوبيا مملكة تدمر الآرامية بعد وفاة زوجها وعمرها حسب المؤرخين اربعة عشر عاما، باقتدار فائق وحنكة سياسية ودهاء وقادت الجيوش لمحاربة الأعداء من الفرس والرومان واحتلت مصر وأخضعت آسيا الصغرى.
وفي التاريخ الإسلامي كانت السيدة خديجة بنت خويلد أول سند وأول من آمن ببعثة الرسول عليه السلام، فاحاطته بالرعاية والكفاية والدعم المعنوي لتحقيق رسالته الإلهية وإخراج البشر من ظلمات حياتهم الى نور الحق وإحقاق إنسانية الإنسان دون تسلط وعبادة الله الواحد بعد عبادتهم للأوثان والملوك، والسيدة عائشة التي كان يأخذ الناس عنها الحديث والرأي فيما خبرت من نبيها.
من هنا ومع حالة التوجس الليبرالي، الذي يُنظر إليه على أنه الهجمة المرتدة على التقاليد السياسية في العالم العربي، نكتشف كيف أننا ما زلنا في ذيل المنتج السياسي العالمي، فهناك تأتي النساء بناء على قواعد واضحة لا تضر بقيمتها الأسرية ولا تحرمها من حياتها الطبيعية، وتخرج من الحياة السياسية بعد بصمات لا تنسى كما خرجت ميركل من حكم المانيا وقبلها تاتشر في بريطانيا، وقتل بناظير بوتو في باكستان، ولكن العقدة الواضحة اليوم هي في المعاملات الزائفة للزج بالعنصر النسائي للمقاعد المتقدمة رغم نزاهتهن بالحقيقة، ولكن لا نزال ?لى طبيعتنا العربية المختلفة تماما عن تاريخنا العربي الأصيل، وقد تكون الحالة التونسية بكتيريا جيدة لمعالجة أمعاء الدولة العربية من الانتفاخ الغازي والحمل الكاذب.