جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ريما عبد الصمد
انفجار مرفأ بيروت في هذا المساء المشؤوم من 4 آب 2020 هزّ الضمائر الإنسانية التي ربّما تحرّكت وصَحت، لكن... متأخرة جداً، للأسف. لقد فطر الحزن قلب لبنان على حدث لم يشهد له مثيلاً، وربما لن يشهد، حيث كان المرفأ شاهداً على كل ما يجري ويبكي بصمت حتى أصبح شهيد الإهمال واللامسوؤلية.
في ذكرى مرور أكثر من عام على الكارثة، لا تزال مسؤولية ما حصل مختبئة في ثنايا معاملات متشابكة، علماً أنها تحمل بصمات موثوقة وموثّقة بتواقيع أصحابها، تدل بالإصبع على اسم الفاعل، أو ربّما المفعول به، على أمل ألّا يكون الفعل مبني للمجهول أو أن يبقى الضمير مستتراً.
أشهر مؤلمة ثقيلة مرّت على المأساة ولا تزال التحقيقات مستمرة لمعرفة حقيقة ما حصل وإحقاق العدالة ربّما في أكثر الملفات تعقيداً بسبب تداخل المسؤوليات والصلاحيات، خصوصاً أن الباخرة "روسوس" المشؤومة والمحمّلة بنحو 2750 طناً من نيترات الأمونيوم وصلت الى مرفأ بيروت منذ فترة طويلة، في العام 2013.
لقد بَكت الإنسانية على ما شاهدته بأم العين من خسائر بشرية لا تُعوّض مع سقوط أكثر من 200 ضحيّة وستة آلاف جريح، ذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا بالصدفة أو بالقدَر، في أمكنة كان يُفترض أنها الأكثر أماناً، إذ كثيرون منهم أصيبوا في المستشفيات وهم يتعالجون أو يزورون مريضاً، أو حتى في منازلهم وفي أسرّتهم حيث كانوا يغطّون في نوم عميق!
كما أن الإنسانية المجروحة صُدمت لهول ما رأت من حطام وخسائر اقتصادية هائلة وأضرار جسيمة في الممتلكات والمنشآت والمؤسسات التربوية والتجارية. هذا فضلاً عمّا خلّفته تلك الكارثة من آثار نفسية سلبية قد يعاني منها حوالى 600 ألف
طفل وفق تقديرات منظمة اليونيسف، والمعروف أن العلاج النفسي ليس سريع المفعول وقد يستغرق سنوات عديدة لمساعدة الأطفال – وربّما الكبار أيضاً – على تخطي الخوف والقلق والاضطرابات وحتى الاكتئاب.
مرفأ بيروت، يا دمعة على خد البحر الأبيض المتوسط، رأيتُ في حزنك خلال زيارتي، ومن بين الأنقاض ورغم السكون ورهبة المكان، سنابل قمح تنبت من الحبوب المتناثرة من الصوامع، وشعاع ضوء يلوح في الأفق. ببساطة لأنك الشريان الحيوي لست الدنيا بيروت التي لا تموت.
بيروت عاصمة الجمال والثقافة والفن، ستنفض عن نفسها الرماد والغبار وتنهض من تحت الركام وتنبعث مجدداً كطائر الفينيق لتوقد شعلة الحياة.
بيروت أم الشرائع التي حاكت القوانين في العالم ونسجت لها خيوطاً متينة، وهي اليوم شاهدة عيان على كارثة مأساوية كانفجار المرفأ هزّت العالم بأسره، لا يمكن إلا أن تُسمع صوت العدالة ينطق الحقيقة. لا بد لسفينة مشؤومة كانت ترسو في الميناء أن ترسي مبدأ الحق والقانون.
بيروت هي منارة العلم والتطور والإنفتاح، وستبقى الأمل والحياة التي منها نستمد قوّتنا.