جفرا نيوز - جهاد المومني
إن أي حديث عن الانتخابات في الأردن بعد عام 2012 لا بد وأن ينتهي إلى الهيئة المستقلة للانتخاب التي انشئت بموجب الدستور (المادة 67/ 2) بتعديلات شملت أكثر من اربعين مادة دستورية كانت حصيلة مطالبات باصلاحات شاملة بعضها ورد ضمن توصيات لجنة الحوار الوطني لكنها بالمحصلة مطالب شعبية قبل وبعد الربيع العربي.
الهيئة المستقلة للانتخاب في الاردن مكلفة بموجب قانونها بادارة والاشراف على اي انتخابات تكلف بها اضافة الى الانتخابات العامة (النيابية والبلدية ومجالس المحافظات)، ما يترك المجال مفتوحا امام مهام إضافية للهيئة مستقبلا قد تشمل الاشراف على انتخابات النقابات المهنية او عدد منها وقد كلفت بالفعل بالاشراف على انتخابات الغرف التجارية والغرف الصناعية، وهذه المهمة لا تعتبر مألوفة بالنسبة للادارات الانتخابية الاخرى على مستوى العالم، فالمعروف ان الادارات الانتخابية تعنى بالانتخابات التشريعية والاستفتاءات الشعبية وفي بعض الحالات استطلاعات الرأي الخاصة بالتشريعات والشؤون الانتخابية فقط ولا تدخل انتخابات النقابات المهنية ضمن مهامها، ومن المهام غير المشمولة بصلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب في الاردن تولي مهمة شؤون الاحزاب وتقييم انجازاتها وادائها على صعيد المشاركة في الانتخابات وتحقيق نتائج تؤهلها للحصول على الدعم والتمويل وفقا لهذه النتائج وقبل ذلك منح الاحزاب التمويل اللازم لحملاتها الانتخابية.
في دول عديدة تكلف الادارات الانتخابية بمهام وصلاحيات أخرى ليست من مهام وصلاحيات الهيئة المستقلة للانتخاب في الاردن، في تونس على سبيل المثال فإن ادارة الانتخابات تملك صلاحية اقتراح تقسيم الدوائر الانتخابية وهو أمر يسهل مهمة ادارة العملية الانتخابية، وقد ثبت من خلال تجارب الهيئة المستقلة للانتخاب في الاردن ضرورة ان يكون للهيئة دور اساسي في تقسيم الدوائر الانتخابية لما لذلك من اهمية كبرى في تسهيل العملية الانتخابية عند انفاذ القانون في الميدان. الغالبية العظمى من الادارات الانتخابية في العالم العربي لا تملك تقييم اداء الاحزاب ونتائجها لغايات تمويلها ولا تدخل هذه الوظيفة ضمن مهامها إلا في حالة مملكة المغرب حيث تدار الانتخابات هناك من قبل وزارة الداخلية وليس من خلال هيئة او جهة محايدة، ومن مهام الوزارة ايضا تمويل الحملات الانتخابية للاحزاب والمكونات النقابية التي تخوض الانتخابات، بينما تملك الهيئة الوطنية للانتخابات في كوريا الجنوبية كنموذج فريد مثل هذه الصلاحية وتقع ضمن المهام الموكولة اليها بموجب قانونها وتعتبر الهيئة في كوريا الجنوبية مرجعا للأحزاب في الشأن المالي وفي اي شأن انتخابي حتى في مرحلة ما بعد الانتخابات وتمثيل الاحزاب في برلمان الدولة، ويبدو النموذج العراقي مختلفا عن اي نموذج عربي أو عالمي فالمفوضية العليا للانتخاب في العراق مكلفة بمهمة تنظيم عملية تسجيل وتصديق الكيانات السياسية المتنافسة في الانتخابات، ويقصد بالكيانات السياسية الاحزاب إضافة إلى المكونات الاخرى التي تخوض الانتخابات ضمن قوائم خاصة بها، وتملك المفوضية صلاحية تسجيل وتصديق هذه الكيانات المتنافسة وهي مهمة في الغالب تقع ضمن مسؤولية الحكومة ممثلة بوزارات الداخلية أو الجهات الرسمية العنية بمتابعة عمل الأحزاب والقضايا الخاصة بها.
تبقى قضية إعداد جداول الناخبين وهي اساس العملية الانتخابية وأحد اهم معايير النزاهة والشفافية في العالم، وفي الاردن تقوم وزارة الداخلية ممثلة بمديرية الاحوال المدنية باعداد جداول الناخبين الاولية مرورا بمراحل وصولها الى صيغتها النهائية بالتعاون مع الهيئة المستقلة للانتخاب التي تقوم ايضا بعملية توزيع الناخبين على مراكز الاقتراع، بينما في مصر تبدو مهمة الادارة الانتخابية هناك اوسع مما هي في الاردن حيث تتولى الادارة في جمهورية مصر العربية مهمة الاشراف على إعداد وتحديث سجل الناخبين بالتعاون مع المحافظات والمكاتب الانتخابية الاقليمية، وهذا يعني ان الحكومة ليست المسؤول المباشر عن اعداد الجداول وانما الادارة الانتخابية التي تؤدي وظيفة تحديث جداول الناخبين ايضا.
اقتراح التشريعات
في قوانين وانظمة معظم الادارات الانتخابية العربية وغير العربية نصوص تعطي هذه الادارات صلاحية التقدم بمقترحات تشريعية فيما يتعلق بقوانين الانتخاب والقوانين ذات الصلة بالعملية الانتخابية، ففي الجزائر ينص قانون الادارة الانتخابية على منحها صلاحية صياغة التوصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العمليات الانتخابية، اما في مصر فيكتفي القانون باعطاء الادارة الانتخابية حق إبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بالانتخابات التشريعية، وفي الاردن فان قانون الهيئة المستقلة للانتخاب في المادة 12/ق نص على منح مجلس مفوضي الهيئة مهمة اقتراح مشاريع التشريعات اللازمة لعمل الهيئة، وهنا اختلاف في جوهر النص فقد يفهم من عبارة (التشريعات اللازمة لعمل الهيئة) شيء آخر يختلف عن التشريعات الانتخابية وان صلاحية اقتراح مشروعات التشريعات تخص قانون الهيئة فقط وليس قوانين الانتخاب، وقد يحتاج الامر الى توضيحات أكثر لازالة اي لبس محتمل.
تحتاج الهيئة المستقلة للانتخاب الى تعديلات جوهرية على قوانين الانتخاب الثلاثة المعمول بها حالياً، النواب واللامركزية والبلديات لجهة منح الهيئة صلاحية وضع الاحكام الاجرائية اللازمة والضرورية من أجل سلاسة وسلامة العملية الانتخابية ومن أجل توحيد غالبية الاجراءات في الانتخابات الثلاثة حيث لا سبب جوهريا في اختلافها وليس على القانون الزام الهيئة بتفاصيل اجرائية ما دامت هذه الاجراءات تقيد الهيئة وتجبرها على الالتزام بثلاثة اشكال من الاجراءات لثلاثة انتخابات متشابهة من حيث المبدأ وتؤدي الى نفس النتيجة بالمحصلة.
تحتاج (الهيئة) ايضا الى اعادة النظر بقانونها الخاص لجهة توسعة مهامها بحيث تعطى صلاحية وضع الاحكام المتعلقة بتفاصيل واجراءات العمليات الانتخابية من جهة، ومن جهة ثانية صلاحية توحيد هذه الاجراءات التي تختلف حاليا فيما بينها في تفاصيل لا معنى لها، فمثلا ما هي الحكمة من الاختلاف في توقيت اتمام المترشح للانتخابات البلدية ومجالس المحافظات الخامسة والعشرين من العمر بحيث يسمح بالترشح للانتخابات البلدية لمن اتم الخامسة والعشرين في اليوم الاول المحدد لتقديم طلبات الترشح، بينما في انتخابات مجالس المحافظات ان يتم المترشح الخامسة والعشرين يوم الانتخاب، وفي قانون الانتخاب لمجلس النواب يشترط في المترشح ان يكون قد اتم ثلاثين سنة شمسية يوم الانتخاب، وهذا التباين في مواقيت اتمام الاعمار ينطبق على الناخبين في الانتخابات الثلاثة ايضا بينما يمكن توحيد عمر الناخب في اي انتخابات عامة وهو اتمام الناخب لثماني عشرة سنة من عمره او بلوغه الثامنة عشرة يوم الاقتراع او في اي موعد آخر شريطة ان يكون هذا الموعد واحدا بالنسبة لجميع الانتخابات.
الحال كذلك بالنسبة للفترات الزمنية العديدة في القوانين الثلاثة حيث التباين غير المبرر في فترات عرض جداول الناخبين وفترات الاعتراضات والطعون بينما يمكن توحيدها او توحيد غالبيتها، ولا يختلف الامر كثيرا بالنسبة لشروط الترشح والاوراق المطلوبة والرسوم وغيرها من التفاصيل في القوانين الثلاثة وبطبيعة الحال يمكن توحيد الاجراءات وهي الاهم، الأمر الذي سينعكس على جودة العملية الانتخابية والمخرجات وعلى التكاليف المالية وبكل تأكيد على الجهود المبذولة.
إن التعديلات المطلوبة على القوانين الانتخابية الثلاثة وعلى قانون الهيئة المستقلة يجب أن توصل الى نتيجة واحدة هي اعطاء الهيئة صلاحية الاجراءات والاحكام التي تراها مناسبة من أجل ادارة الانتخابات دون المساس بحقوق الناخبين والمرشحين وضمان معايير النزاهة والحياد العالمية.
قدمت الهيئة المستقلة للانتخاب عدة مقترحات على القوانين الانتخابية بهدف تسهيل مهمتها في ادارة الانتخابات النيابية، وفي انتخابات البلديات ومجالس المحافظات على سبيل المثال رصدت الهيئة الكثير من الملاحظات التشريعية والاحكام والاجراءات التي تحتاج الى تعديلات جوهرية، فالهيئة اصطدمت بعدة اشكالات تتعلق بالنظام الانتخابي نفسه في قانوني البلديات واللامركزية، والنظام الانتخابي يعتبر جوهر القوانين الانتخابية ومن غير المقبول ان يحتمل الجدل في تفسيرة بعد اقراره ونشره في الجريدة الرسمية ونفاذه او في مرحلة تطبيقه، لكن هذا ما حدث عند تفسير كيفية التصويت في ورقة الاقتراع الخاصة بانتخاب اعضاء المجالس المحلية وكيفية احتساب حصة المرأة في عضوية المجلس البلدي واضطرت الهيئة الى اللجوء الى ديوان تفسير القوانين للحصول على اجابات عن اسئلتها.
لقد ثبت للهيئة المستقلة للانتخاب من خلال اجراء انتخابات البلديات ومجالس المحافظات يوم 15 آب 2017، ان المشكلة الاساسية تكمن في كثرة التفاصيل الملزمة لها بموجب القوانين الانتخابية، فمن قبل لجأت الهيئة الى ديوان تفسير القوانين في انتخابات المجلسين النيابيين الثامن عشر عام 2016 والتاسع عشر في العام 2020 للحصول على توضيحات معينة تتعلق بغموض اكتنف القانون، وفي انتخابات 2017 حدث الامر نفسه وفي الحالتين ثبتت الحاجة الى اعفاء القوانين الانتخابية من التفاصيل والاجراءات التفصيلية والاكتفاء بوضع النصوص القانونية الاساسية الملزمة للهيئة دون الخوض في الاجراءات لانها تصبح ملزمة لمجرد تضمينها في القوانين، وهذا يعني ان الهيئة التي واجهت الاشكالات المختلفة قبل وخلال وبعد يوم الانتخاب مضطرة للتقدم بمقترحات واضحة لاثراء قانونها وتضمينه مواد تساهم في توسيع صلاحيات الهيئة لجهة تسهيل العملية الانتخابية من ناحية، وتقديم مقترحات تتعلق بنزع التفاصيل الاجرائية في قوانين الانتخاب الثلاثة (النواب والبلديات ومجالس المحافظات) من جهة ثانية، وقد وضعت الهيئة جملة تعديلات تشريعية مقترحة على طاولة النقاش بهدف الوصول الى الصيغ الامثل من أجل تجويد العملية الانتخابية مستقبلا سواء تعلق الامر بالانتخابات التي تكلف بها الهيئة حاليا بموجب قانونها او اي انتخابات تكلف بها مستقبلا.
مرجعية الأحزاب
في دول عديدة حول العالم تعتبر الادارة الانتخابية - أي الجهة التي تدير وتشرف على الانتخابات التشريعية في البلاد - المرجعية القانونية لجميع الاحزاب السياسية التي تخوض الانتخابات بهدف تشكيل الحكومات أو المشاركة فيها من خلال نوابها او ممثليها في البرلمان (الحكومات البرلمانية)، ولم اجد في هياكل عشرات الحكومات الديمقراطية التي تطبق مبدأ تابعية الاحزاب السياسية للادارات الانتخابية وشملها البحث، وزارة تعنى بالتنمية السياسية لتكون مرجعا قانونيا للاحزاب السياسية رغم ان المرجع الاول والاخير يبقى الدستور والقوانين الناظمة لجميع الاحزاب.
هنا منطق في تطبيق هذا المبدأ، ذلك ان الاحزاب السياسية الطموحة بالفوز بتشكيل حكومات بديلة او المشاركة في حكومات جديدة تخلف الحكومات القائمة من خلال ائتلافات حزبية غالبا ما تتشكل بعد الانتخابات، يجب الا تكون تابعة بأي حال من الاحوال للحكومات القائمة، فالمعادلة هنا لا تستوي مع مبادئ الديمقراطية واستقلال عمل الاحزاب خاصة ان من بين القضايا التي تكرس تابعية الاحزاب للحكومات قضية التمويل المالي، إذ كيف يكون منطقيا كون الحكومات وصية على مقدار التمويل المقدم لاحزاب تعمل لإطاحتها من خلال صناديق الاقتراع اي الانتخابات وتشكيل حكومات بديلة لها، وهي العملية التي تحتاج الى التمويل والصرف بحرية لتحقيق افضل النتائج، وعندما نتحدث عن الصرف المالي للاحزاب في الانتخابات فإن القوانين ذات الصلة بالانتخابات تقرر حجم هذا الصرف وكيفيته وليس الحكومات التي يفترض انها جهة منافسة وتخوض الانتخابات مثلها مثل بقية الاحزاب خارج السلطة ولكن لنفس الهدف وهو الحكم او الاستمرار في الحكم..!
من هنا جاءت فكرة اتباع الاحزاب قانونيا وماليا للادارات الانتخابية في الدول الديمقراطية وليس للحكومات، فمن جهة تعتبر الادارات الانتخابية جهة محايدة ومستقلة عن تدخلات الحكومات وسطوتها، ومن جهة ثانية فان الادارات الانتخابية هي المراقب الحقيقي على الاداء الانتخابي للاحزاب ونجاحاتها على صعيد تحقيق المقاعد في المجالس التشريعية وهي النتيجة التي يجب ان تقرر مقدار الدعم المالي المقدم لكل حزب حسب عدد المقاعد التي يحققها.
الاحزاب السياسية في المحصلة تعني الانتخابات، وترتبط بهذه العملية الديمقراطية ارتباطا وثيقا كمبدأ وكنتيجة وكل ما تقوم به الاحزاب هو محاولات متواصلة لإقناع الناس بما تفعل لنيل ثقتهم وبالتالي اصواتهم، هذا يعني ان ارتباط الاحزاب بالانتخابات هو ارتباط عضوي ومصيري، حيث صناديق الاقتراع هي طريق الاحزاب الوحيد لتحقيق اهداف وجودها بالوصول الى السلطة والى الحكومات البرلمانية وفق معادلة (حكومات وحكومات ظل) وعلى هذا الاساس تعمل الاحزاب كل الوقت بين الناس، وعلى هذا الاساس ايضا تنظم حملاتها الدعائية قبل الانتخابات، وهاتان المهمتان لا يجوز ربطهما بما تسمح به الحكومات او تقبل به على قاعدة حرية العمل وفق الدستور والقوانين الناظمة.
الجهة الوحيدة الضامنة للحياد ولحرية عمل الاحزاب وللعدالة في توزيع الدعم المالي وفق معادلة ما تحقق الاحزاب السياسية من نتائج في صناديق الاقتراع، هي الادارات الانتخابية المستقلة، وليس عبثا أن الدول الديمقراطية المعنية بتحسين اداء الأحزاب وتطويره نحو الاداء الإصلاحي والإبداعي في إدارة شؤون الدولة عندما تتولى الحكم، أولت أمر الأحزاب وشؤونها من الناحيتين القانونية والمالية الى الادارات الانتخابية حيث تساههم هذه المرجعية في تحقيق الكثير على صعيد تحسين مستوى مشاركة الاحزاب في الانتخابات من خلال برامج مشتركة للعمل مع الناس وتسريع برنامج التنمية السياسية في البلاد والوصول المبكر إلى حكومات برلمانية بالنسبة للاردن.