النسخة الكاملة

أين الدليل على الشبهة الدستورية بإجراء القبض من قبل الضابطة العدلية في هيئة النزاهة؟

الخميس-2021-08-22 09:46 am
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - د. عبدالله أبو حجيله

شاهدنا وسمعنا من خلال وسائل الاعلام الأردنية، ما جرى من مناقشات في جلسة مجلس الأعيان التي انعقدت صباح يوم الخميس 19آب2021، بشأن التصويت على مواد مشروع القانون المُعدِل لقانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وقد إنصب جانب من النقاش حول (المادة الثانية المقترحة في مشروع القانون)، وهي تتكلم عن منح موظفي الضابطة العدلية في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، صلاحية اتخاذ قرارات تتمثل بمنع سفر المشتبه بارتكابهم جرائم تندرج ضمن جرائم الفساد أوالحجز على أموالهم، أو التحفظ عليهم لمدة 48 ساعة (القبض لمدة 48ساعة)، وسأكتفي في هذا المقال بالتعليق على موضوع ( القبض) فقط، لأن المقام هنا لا يتسع للحديث عن تفاصيل صلاحيات الضابطة العدلية بمنع سفر المشتبه بارتكابهم جرائم فساد أوالحجز على أموالهم.

وبشأن مناقشة المادة الثانية المقترحة في مشروع قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، قال سعادة رئيس اللجنة القانونية في مجلس الأعيان المحترم أثناء مناقشة هذه المادة، بأنها تخالف نصوص الدستورمخالفةً واضحةً وضوح الشمس، وأضاف القول،إن إقرار هذه المادة كما جاءت في مشروع القانون، سيُلحق العيب والعار في جبين السلطة التشريعية،كما أن مدة الـ (24) ساعة الممنوحة للضابطة العدلية بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية،هي مهلة زمنية، والهدف منها هو إمهال الضابطة العدلية مدة زمنية،لإحالة المتهم إلى المدعي العام،و لا يقصد بهذه المدة الحبس أو الاحتجاز.

ومن المُلفت للانتباه من كلام سعادة رئيس اللجنة القانونية في مجلس الأعيان المحترم، قوله إن منح موظفين إداريين في هيئة النزاهة صلاحية احتجاز المشتبه بارتكابهم جرائم فساد ( لمدة48 ساعة)،يُشكل مخالفة دستورية واضحة وضوح الشمس،ومع احترامنا لكل من قال ذلك ومن يؤيد هذا القول، إلا أننا لا نتفق معهم، ونرى بعدم وجود أي مخالفة دستورية بهذا الشأن ، وقبل أن نبين الأسانيد والحجج القانونية التي نُدعّم بها رأينا، نود أن نوضح بإيجاز بعض الأمور التي تساعدنا على فهم ملابسات هذه المسألة، ويمكن تلخيص هذه الأمور بما يلي:

ثمّة مجموعة من موظفي هيئة النزاهة تتمتع بقوة القانون بصفة الضابطة العدلية، بما فيهم رئيس مجلس الهيئة واعضائه، وذلك عملاً بنص المادة(19) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم (13) لسنة2016.

إن من أهم واجبات الصابطة العدلية هو استقصاء الجرائم، ويقصد بذلك التحري عن الجريمة والبحث عن مرتكبيها، وجمع الاستدلالات والأدلة المادية التي تثبت وقوع الجريمة، والقبض على فاعليها، وذلك وفقاً لنص المادة(8/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني رقم (9) لسنة1961،ومن المعروف أن هذا القانون هو الشريعة العامة لكل قانون خاص ،أشار في نصوصه لأي إجراء من الإجراءات الجزائية، بما في ذلك قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.

من المسلم به، إن إجراءات استقصاء الجرائم بشكلٍ عام، وجرائم الفساد بشكلٍ خاص، وجمع أدلة هذه الجرائم والقبض علىى فاعليها،هي إجراءات تسبق التحقيق الابتدائي الذي هو من اختصاص النيابة العامة من حيث الأصل، وتعتبر إجراءات استقصاء الجرائم والقبض على فاعلها وفقاً للشروط والضوابط المحددة في قانون الأصول الجزائية ضرورة يُمليها الواقع العملي، وذلك كما هو متفقاً عليه في الفقه والقضاء الجنائي، لأنه من الصعب على النيابة العامة الوصول إلى نتائج إيجابية دون أن يكون لديها كمية كافية من المعلومات حول الجريمة وظروف ارتكابها والمتهمين بارتكابها، وهذه المعلومات لا تتأتى إلا من خلال الضابطة العدلية بما تملكه من إمكانيات بشرية ومادية وعلمية، ولا شك أن هذه المعلومات تُمكّن النيابة العامة من التحقيق الابتدائي الذي يستهدف تعزيز الأدلة وتمحيصها والتحقق من كفايتها في إثبات الجريمة ونسبتها إلى فاعليها.

أجازت المادة (99) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لأي موظف من موظفي الضابطة العدلية أن يأمر بالقبض على المشتكى عليه، وذلك متى وُجدت دلائل كافية تشير لارتكابه جريمة من نوع الجناية، أو جنحة متلبساً بها متى كان القانون يُعاقب على هذه الجنحة بالحبس مدة تزيد على ستة أشهر، وهنا ننبه بأن غالبية جرائم الفساد إن لم تكن كُلها من نوع الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة يصل حدها الأعلى لثلاث سنوات، وذلك كما هو واضح من المادة(16) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد، ومن المواد الأخرى المتناثرة في القوانين المختلفة التي أحالت إليها المادة(16) السالفة الذكر، وذلك على اعتبار أن ما ورد في هذه القوانين من جرائم يدخل ضمن دائرة جرائم الفساد.

يُقصد بمصطلح القبض كما هو متفقٌ عليه فقهاً وقضاءً، "سلب حرية شخص لمدة قصيره يحددها القانون باحتجازه في المكان الذي يخصصه القانون لذلك"،ويُستفاد من هذا التعريف، أنه ليس هناك مدة محدد للقبض، وهذه المدة تزيد وتنقص بحسب القانون الذي يُقرها،وقد حددها قانون الإجراءات الجزائية الأردني بـ (24 ساعة) ولا يوجد ما يمنع زيادة هذه المدة بموجب قانوناً خاصاً نظراً لخصوصية وطبيعة الجرائم التي يتم النص عليها فيه.

اتفقت جميع قوانين الإجراءات الجزائية المقارنة على إجراء القبض كإجراء استثنائي يمنح للضابطة العدلية،انطلاقاً من مبررات منطقية أهمها المحافظة على أدلة الجريمة وعلى المعالم المادية للجريمة، ومنع ممارسة الأكراه على الشهود أو إجراء أي اتصال بالشركاء في الجريمة أو وضع حد لمفعول الجريمة أو الرغبة في اتقاء تجددها أو منع المتهم من الهروب،ولكن تلك القوانين لم تسر على وتيرة واحدة بشأن مدة القبض، فبعضها على سبيل المثال حددها بـ (48 ساعة) كقانون الإجراءات الجزائية الإماراتي (المادة47)، وبعضها الآخر، حددها بمدة لا تزيد على ( 4أيام في الجنايات و 48ساعة في الجنح ) كقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي( المادة 60) ، وبعضها الثالث حددها بـ (24 ساعة)، كقانون الإجراءات الجنائية المصري (المادة36).

حدد قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني في المادة( 100/ب)،مدة القبض بـ (24 ساعة)، وهذه المدة كانت(48 ساعة)، وقد جرى تعديلها بموجب القانون المُعدل رقم (16) لسنة2001 لقانون أصول المحاكمات الجزائية.

وبالعودة إلى ما قاله سعادة رئيس اللجنة القانونية في مجلس الأعيان المحترم بأن منح موظفي هيئة النزاهة صلاحية التحفظ على المشتبه بارتكابهم جرائم فساد ( لمدة48 ساعة)،يُشكل مخالفة دستورية واضحة وضوح الشمس،ومع احترامنا لهذا القول ومن يؤيده، إلا أننا لا نتفق معهم، ونرى بعدم وجود أي مخالفة دستورية بهذا الشأن ، ونستند برأينا هذا إلى الأسانيد والحجج القانونية التالية:

أولاً : إن منح الضابطة العدلية ومنهم الضابطة العدلية في هيئة النزاهة صلاحية القبض منصوصاً عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية منذ سريان مفعول هذا القانون بسنة1961، إن لم يكن قبل ذلك، ولم تشر الكتب الفقهية المتخصصة أو أحكام المحاكم الأردنية الصادرة بهذا الشأن لا من قريبٍ ولا من بعيد، لأي شبهةٍ دستورية في صلاحية الضابطة العدلية بإجراء القبض.

ثانياً : تتفق النصوص الدستورية في دساتير الدول المختلفة سواءً الأجنبية أو العربية منها ، من حيث ترسيخ الحقوق والحريات العامة، وجميع هذه الدول منحت الضابطة العدلية صلاحية إجراء القبض في قوانين الإجراءات الجزائية لديها، وفي مقدمتها قانون الإجراءات الجنائية المصري، ولم تشر الكتب الفقهية المصرية المتخصصة أو أحكام المحاكم الدستورية والجنائية المصرية إلى أي شبهةٍ دستورية في صلاحية الضابطة العدلية بإجراء القبض، وخاصةً إن جمهورية مصر العربية لديها كما نعلم جميعاً قضاءً دستورياً وجنائياً عريقاً، ونُذكر هنا بنشأة القضاء الدستوري المصري في عام1969.

ثالثاً : دون الدخول في تفاصيل المواد الدستورية التي يُشتبه بمخالفتها- فيما لو مُنحت الضابطة العدلية في هيئة النزاهة صلاحية القبض لمدة (48ساعة)، لأن المقام هنا لا يتسع لذكر تفاصيلها، ولكننا سنكتبها على سبيل الذكر كما أشار إليها سعادة رئيس اللجنة القانونية في مجلس الأعيان المحترم، وهي المواد( 7،8،9 ،25،26،27،101،102،103، 128) من الدستور الأردني.
ووجه الشبهة الدستورية من وجهة نظر سعادة رئيس اللجنة القانونية، تتلخص بما معناه، أن هذه الصلاحية تُشكل اعتداءً على الحقوق والحريات العامة، واعتداءً على صلاحيات السلطة القضائية، سيما أن موظفي هيئة النزاهة يعتبرون موظفين إداريين ينتمون للسلطة التنفيذية- وهنا يُطرح التساؤل التالي:- هل يُشكل منح الضابطة العدلية صلاحية القبض لمدة (48ساعة) اعتداءً على الحقوق والحريات العامة وعلى صلاحيات السلطة القضائية؟ - بينما لا يُشكل القبض لمدة (24ساعة) اعتداءً على الحقوق والحريات العامة وعلى صلاحيات السلطة القضائية!!!!!!!!!!!

رابعاً : نصت المادة (8/1) من الدستور الأردني على أنه : " لا يجوز أن يُقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون"،فهذه المادة الدستورية، أجازت القبض دون أن تحدد مدته أو أن تحدد جهة اتخاذ القرار بشأنه،وبمعنى آخر، فقد تركت هذه المادة للسلطة التشريعية تحديد مدة القبض والجهة المختصة باتخاذ القرار بشأنه،والقيد الوحيد في المادة الدستورية سالفة الذكر هو- أن يكون القبض وفق أحكام القانون- وفي هذا السياق يُطرح السؤال التالي:- ما وجه المخالفة الدستورية فيما لو تم النص في قانون هيئة النزاهة على منح الضابطة العدلية صلاحية القبض لمدة (48 ساعة)؟

وبناءً على ما تقدم، نرى بأنه لا يوجد هنا أدنى مخالفة دستورية،وعلى العكس من ذلك ، إن منح الضابطة العدلية في هيئة النزاهة صلاحية القبض لمدة (48 ساعة)- تدعمه العديد من المبررات القانونية التي يُمليها الواقع العملي بشأن التحقيق بجرائم الفساد، ولعل أهم هذه المبررات:

إن طبيعة جرائم الفساد والتحقيق فيها يقتضيان جعل مدة القبض أطول من المدة المقررة في الجرائم العادية،وذلك لأن مدة إلقاء القبض على شخص مشتبه بارتكابه جريمة فساد ( وهي مدة الـ 24ساعة) في الغالب الأعم لم تكن كافية لاستكمال الملف التحقيقي، فهذه المدة قصيرة نسبياً، ويتعذر خلالها استجماع كافة أدلة الإثبات كالاستماع لأقوال الشهود والحصول على كافة الوثائق الرسمية الموجودة في الجهة الوظيفية التي يتبع لها الموظف المشتبه به، سيما أن غالبية مرتكبي جرائم الفساد من الموظفين العمومين.

في حال انتهاء مدة( الـ 24ساعة) دون أن تستكمل الضابطة العدلية في هيئة النزاهة استجماع كافة أدلة الإثبات، فهنا ستكون الضابطة العدلية ملزمة بإحالة المشتبه به إلى المدعي العام عملاً بنص المادة (100/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حتى ولو لم يتم استكمال التحقيقات واستجماع الأدلة من قبل الضابطة العدلية، وكما أسلفنا القول، فمن الصعب على النيابة العامة الوصول إلى نتائج إيجابية دون أن يكون لديها كمية كافية من المعلومات والأدلة التي توفرها لها الضابطة العدلية بشأن الجريمة وفاعليها وظروف ارتكابها، وبمعنى آخر،فإنه وأمام هذا الفرض، وبعد استجواب المشتبه به من قبل مدعي عام هيئة النزاهة، فقد يتم اطلاق سراحه لعدم وجود أدلة كافية لتوقيفه، إذا كانت الجريمة المسندة إليه من الجرائم التي يجوز التوقيف فيها، ولا شك بأن لهذا الإجراء محاذيره، من حيث الخشية على أدلة الجريمة، وممارسة الأكراه على الشهود أو إجراء أي اتصال بالشركاء في الجريمة أو هروب المشتبه به خارج الدولة.

ما المانع لو مُنحت الضابطة العدلية في هيئة النزاهة صلاحية القبض لمدة (48 ساعة)؟- سيما أن ذلك يتم تحت رقابة المدعين العامين المنتدبين في هذه الهيئة،وعددهم كما نعلم (8) وهذا العدد كافياً لبسط الرقابة القضائية على الضابطة العدلية العاملين في الهيئة ذاتها.

نخلص مما تقدم، بعدم وجود أي شبهة دستورية، فيما لو مُنح موظفي هيئة النزاهة ومكافحة الفساد صلاحية القبض لمدة أقصاها (48 ساعة)،وذلك وفقاً للشروط والضوابط المحددة في المادتين (99 و100) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، وهذه الصلاحية تُمليها الطبيعة الخاصة لجرائم الفساد، ويميلها أيضاً الواقع العملي في التحقيق بجرائم الفساد،سيما أن هذه المدة كانت في الأصل ممنوحة لجميع الضابطة العدلية، ومنهم أفراد الشرطة وضباطها قبل إجراء تعديلات2001 على بعض نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، ولم يقل أحد في حينها أن في هذه المدة شبهةً دستورية،كما أننا إذا كنا قد قبلنا بمنح هذه الصلاحية للشرطة مع تقديرنا لدورهم وأهميتهم في ملاحقة مرتكبي الجرائم ، فمن بابٍ أولى أن نقبلها لموظفي الضابطة العدلية العاملين في هيئة النزاهة، سيما أنهم متخصصون في القانون، وغالبيتهم حاصلون على درجاتٍ علمية عليا، علاوةً على ما يتمتعون به من خبرات عملية في التحقيق تؤهلهم القيام بإجراء القبض واحتجاز المشتبه بهم لمدة أقصاها (48ساعة) وفقاً لأحكام القانون.

والله ما وراء القصد،،،

د. عبدالله أبو حجيله
أستاذ القانون الجنائي المساعد- كلية القانون - جامعة اليرموك
21آب2021
 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير