جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. خالد واصف الوزني
في تقرير حول الآفاق العالمية للاقتصاد، أكد البنك الدولي أن التعافي الاقتصادي قادم انطلاقاً من العام الحالي 2021، وإن كان تعافياً ببطء. وهو تعافٍ يشكل بارقة أمل في ظل أزمة عالمية اقتصادية، واجتماعية، لم يشهدها العالم من قبل، وعلى الأقل على مدى القرن الماضي، أو منذ بداية هذا القرن. ولعل أهم محاور تلك الأزمة شكلت تحديات كبيرة للعالم في قطاع الصحة، وقطاع الزراعة والغذاء، وفي سلاسل التزويد، وفي إدارة المالية العامة، وفي إدارة المديونية، وفي عمل وأنشطة البنوك المركزية، وفي مجال حماية الفئات التي تأثرت بمستويات متعددة من تبعات الوباء. ولا شك أن القطاع الخاص ناله من الأزمة نصيبٌ مهم، وأنه واجه تحديات مشابهة، وإن كانت تتعلق بالجزء الذي يخصه، من المديونية، والتشغيل، والالتزام بقواعد الصحة والسلامة العامة، والوصول إلى الأسواق. بيد أن من المهم الإشارة هنا إلى أن تدفقات الاستثمار، وخاصة في الدول النامية ودول الاقتصادات الصاعدة، تراجعت بشكل محوري، بل إنها شهدت تدهورت بشكل واضح في العديد من دول العالم. وقد توقعت بعض المؤسسات العالمية تراجع مستويات الاستثمارات الخارجية بين دول العالم بنسب وصلت إلى نحو 40% عن مستواها في العام 2019، وبما يزيد على 600 مليار دولار أميركي. ولا بدَّ من الإشارة هنا، إلى أن تراجع الاستثمارات لم ينحصر في تدفقات الاستثمار الخارجي، وإنما على مستوى الاستثمار المحلي أيضاً، سواء من حيث التوسعات في الاستثمار، أو من حيث البدء بمشاريع جديدة. إلا أن المؤشرات، ضمن آفاق الاقتصاد العالمي، توحي بارتداد إيجابي في مستويات التدفقات العالمية للاستثمار، وخاصة الدول الصاعدة والنامية.
إن السياسات المرنة في تجاوز أزمة كورونا على مستوى الاقتصادات العالمية كاملة تستدعي ضرورة التحوُّل نحو هندسة إجراءات توضِّح للمستثمرين حول العالم أنّ الدول جادة في استقطاب الاستثمار الخارجي، وفي تحفيز الاستثمار المحلي. ولعلَّ أهم محددات اتخاذ القرار الاستثماري اليوم، في ظل توافر فوائض مالية لدى العديد من الصناديق والمستثمرين الذين أحجموا عن الاستثمار خلال العامين الماضيين ترقباً لما ستنتهي إليه معطيات الوباء، هي محددات بعيدة عن مجرد الإغراء بإعفاءات جمركية أو ضريبية. واليوم فإنَّ الرشاقة والمرونة الحكومية تتطلَّب النزوع إلى ثلاثة محاور محددة في استقطاب الاستثمار؛ المحور الأول: حماية الاستثمار، وهو محور يرتكز على عمادين أساسيين؛ هما الحماية من تقلبات التشريعات والقوانين، أي الاستقرار التشريعي، وحماية رأس المال من قيود التحويلات من وإلى الدولة.
المحور الثاني: الشفافية والحاكمية في العمل العام، وهو محور يرتكز من جهة على تقليل الاحتكاك بالمؤسسات العامة، والتحول بشكل كبير نحو التطبيقات الذكية والحوسبة الفضائية، وإتمام كافة المعاملات إلكترونياً وعن بُعد. ومن جهة ثانية فإن الشفافية والوضوح في متطلبات الاستثمار تستدعي نزاهة القضاء، وسرعة التقاضي، وهندسة إجراءات وطنية في كل دولة، بما يخفف من المتطلبات الورقية، والمراجعات المتعددة، ويخفض عدد الإجراءات إلى أقل مستوى ممكن. وهناك تطبيقات عالمية واضحة في العديد من الدول التي تتصدر تقارير التنافسية العالمية، وسهولة بدء الأعمال.
المحور الثالث والأخير: استعداد الحكومات لتسهيل برامج الشراكة مع القطاع الخاص، وخاصة مشاريع البنية التحتية، ومشاريع الطاقة، والمشاريع الكبرى التي تتناسب والموارد الطبيعية للدول، وبحيث يرتكز ذلك كله على هدف تشغيل القوى العاملة التي شكَّلت مستويات البطالة فيها على مستوى العالم نسباً لم يشهدها العالم خلال فترات الكساد الكبير، أو الحروب العالمية. الدول الجادة في الخروج من أزمة الوباء عليها أن تنظر بجدية إلى المرونة والرشاقة ضمن المحاور المشار إليها، وأي محاور اقتصادية أو اجتماعية تتناسب وأوضاعها الخاصة، والعالم مليء بالتجارب العالمية النجاحة التي يُمكن التعلم منها.