النسخة الكاملة

حاشية على مقالة الأمير الحسن وتـجديــد الـدولــة

الخميس-2021-02-02 11:42 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - د. مهند مبيضين

نشر سمو الأمير الحسن المعظم مقالة بعنوان :على عتبة المئوية الثانية للدولة، ونشرت يوم 27 / 1 / 2021، وهي مقالة ترقى لأن تكون وثيقة تاريخية، لكونها تعبير عن رؤية الدولة وثوابتها وهويتها التي تأسست عليها، ومصائرها، والتحديات التي مرت بها في إقليم «مضطرب وعام سريع التغير»، عبر أربعة ملوك من آل هاشم، الذين أراد الأمير في مستهل مقالته التذكير بدورهم النهضوي، في بناء ما أسماه «روح النهضة» هذه الروح التي وجدت عند سموه تعبيراً ربما يكون موازياً لمصطلح «الدعوة» الذي يلزم قيام الدول وتأسيسها بمفهوم ابن خلدون. 

وهو تعبير – أي الروح - كُرر في المقالة أكثر من مرة، وهو تكرار محمود لرد الناس لجذر دولتهم وكينونة التأسيس. وربما يكون من حسن تلقي كلام الأمير، ان يُشرح، او يحلل، او يكتب عنه، فذلك مما يليق بكلام الكبار، أن يلقى الاهتمام والعناية والتدبر فيه.

ثمّ أنّ الأمير أيده الله، افتتح المقال بالـتأكيد على استثنائية الحدث، هو حدث عاشه الهاشميون ورجال الحركة العربية ومنهم اردنيون مطلع القرن العشرين، وقد اصطدمت أحلام تلك الحقبة بحدثين هامين عالميين وهما: حركة الحداثة الغربية والاستعمار الجديد، والثانية المشروع الصهيوني الاستيطاني، الذي لم يكن للعرب جميعاً قِبَلاً وقدرة على مواجهته.

هذه الاستثناء في حدث المئوية الهاشمية الأردنية، في سياق بناء الدولة العربية المعاصرة، لم يتكرر إلا الأردن، فقد خسر الهاشميون دون الأردن عرشين بفعل حركة الاستعمار والنخب الانتدابية المتواطئة معه في سوريا والعراق ولبنان، والأخير كان أول بلد يرفض مشروع الدولة العربية، وارتضى برعاية فرنسية خلقت له مصطلح لبنان الكبير.

إزاء ذلك، كانت تحذيرات الأمير/ الملك فيصل لأخية عبدالله، بأن لا يكرر أخطاءه في سوريا، مع النخبة التي أسهمت في تسليم دمشق للانتداب، وقد كان عبدالله الأول كما بين الأمير الحسن شخصية مثقفة، تعلمت وسبرت الحياة، وقامت بأدوار قيادية في بداية حركة النهضة في حملة الطائف وغيرها، وكل هذا مع ما للملك المؤسس من صفات وتكوين ثقافي فريد، ودهاء كبير في السياسة.

النظرة الهاشمية من لدن الحسن بن طلال، اكدت على أن التجربة الهاشمية التي اشترك فيها الأردنيين مع اقرانهم العرب في المضي بجيش الثورة والترحيب بها، انتهت إلى ان يكون الأردن الضلع الوحيد المتبقي من مثلث الحجاز دمشق بغداد، حيث ممالك الهاشميين قبيل ومع تأسيس إمارة شرق الأردن، نعم كانت عمان نقطة في ضلع محور الحجاز دمشق، لتتحول هذه المحطة لاحقاً إلى دولة الشرق العربي، ويكون جيشها يحمل الجيش العربي، ويسهم به نخبة عربية من بقايا رجال الحركة العربية، وكذلك الحال في بقية مؤسسات الدولة الناشئة.

وهنا، فقد مهد الأمير في مقالته لسياق الأحداث بين عامي 1918 -1921، وهما حدثان في عامين شهدا ولادة الحكومة العربية في دمشق، وحكومة الشرق العربي في عمان. لكن مقادير العاصمتين والدولتين انتهيتها نهاية مفارقة.

ففيما سارت دمشق منذ عام 1918 وصولا 24 تموز 1920، حيث نهاية الحلم في ميسلون، إلى الدخول بزمن الجهمورية والانتداب ثم الاستبداد والانقلابات والوعود الثورية، فقد مضت بلاد شرق الاردن منذ أيلول 1920 حيث مؤتمر ام قيس لتجديد الروح في مشروع النهضة والدعوة لإمارة عربية يحكمها امير عربي، لتكون عمان عاصمة الشرق العربي، ولتبدأ لهذه البلاد قصتها الجديدة مع السلالة الهاشمية المباركة، المتسلحة بالوعي واليقظة.

وعلى هذا الأساس قال الملك المؤسس في مذكراته انه تحرك نحو معان 1929، ليكون وصوله لعمان في آذار 1921 اتجاه آخر في مسار حركة التاريخ السياسي للمنطقة، لتولد بعد ذلك اول حكومة في 11 نيسان من ذات العام، ولتنتقل المنطقة من القبيلة إلى الدولة، بإمكانيات قليلة، وطموح ودهاء كبيرين للأمير المؤسس الذي عرف كيف ينقذ البلاد وينهض بها، وليورث المشروع إلى الملك طلال ثم الملك حسين ثم الملك عبدالله الثاني.

اليوم في الأردن فقط، استمر البيت الهاشمي حاكماً، أشار الأمير لذلك في معرض الإشارة لدور الأردنيين استقبال جيش الثورة، وهو حكم، بني على قاعدة التعددية والحرية، واسهم فيه عرب وشركس وشيشان ومغاربه وحجازيين وأكراد وشوام وفلسطينيين وعراقيين وشناقطة، وغيرهم، إذا تلاقت روح النهضة العربية، مع النزعة العروبية عند اهل البلاد الأردنية، فأوجدت عقدها الاجتماعي الخاص والفريد، والذي مكن الدولة من الصمود في وجه التحديات.

ذكّر الأمير الحسن، بمشروع فيصل بن الحسين، واتفاقية سايكس بيكو، ومملكة الحجاز، وأثبت كفاءة الملك المؤسس ومهاراته، مبينا أهمية تأسيس الجيش ببعده العربي، ثم محكمة العشائر ونقل الناس إلى دولة القانون، والكفاءات من أهالي الشام والتي أسهمت ببناء الدولة.

اما روح النهضة التي تحمل التنوير فأكد سموه على أنها ارث مشترك للقيادة والشعب، وهي الروح التي تمثل مدخلنا للمئوية الثانية. وحارب من اجلها قيادات ورجال الحركة العربية.

يقول الأمير في ذلك «من هنا يأتي امتياز هذه الشعلة التي ستضيء الزمن الأردني الجديد» هذا القول الذي يذكر بزمن النهضة العربية، وبأن الاردن نشأ للعرب وبهم مضى،  كان قولاً نادر الحدوث في العقود الأخيرة، لكن الاستمرارية لهذه الدولة، والعبور بها بحكمة قيادتها من كل التحديات، ربما كان حاسماً في وعي الأمير للتذكير بان الزمن السياسي الأردني مختلف عن غيره من بلاد العرب.

أما الطريق للمئوية الثانية، فهو عند الأمير، نحو دولة تملك خطاب «حداثي ومتنور»، تكون فيه الحكومات مدنية يسندها الدستور الذي قام على متانة دستور عام 1952م، وتحميها التشريعات القابلة لروح العصر تلبية لحقوق الفرد والمواطنة وتحقيقا للعدالة والمساواة التي تشكل الركيزة الأساسية، وتتحقق بها حقوق الجميع، مسترشدين بمقولات الملك فيصل الأول الذي كان يؤكد في خطبه لأهالي بلاد الشام «لا يوجد بيننا أقليات وأكثريات نحن شعب واحد»، وبما حققه دستور عام 1952م».

مرة أخرى استعاد الأمير الحسن هنا، من تجربة واقوال فيصل بن الحسين في سوريا، ثم أكد على ما أُنجز في تجربة الهاشميين في الأردن من وثائق مهمة أولهما: رسالة عمان التي تُشدد على روح التسامح والتعددية والاعتدال والوسطية، وهو ما يتناسب مع المجتمع الأردني عبر تاريخه خلال المئوية الأولى من عمر الدولة.

وثانيهما: الأوراق النقاشية السبعة التي قدمها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وحدد فيها الرؤية والاستراتيجية، ورسم المنهجية في الفكر المتجدد في المؤسسات، وهي مكملة للدستور ولروح النهضة، وتعتبر خارطة طريق مستقبلي تحتاجه الدولة والمجتمع لرسم الزمن القادم، وهذه الأوراق النقاشية حالة متقدمة في العلاقة بين الملك والمواطن والدولة ومؤسساتها، وهي استمرار للخطاب الهاشمي الذي بدأه الشريف الحسين بن علي (ملك العرب) وأبناؤه الأربعة، وتابعه الملك طلال بن عبدالله وتجسد في الدستور الاردني في عام 1952، وتجلى في خطابا الملك الحسين بن طلال عبر ما يقرب من نصف قرن من عمر الدولة الأردنية.

ولكن مشكلة المائة عام الأولى حددها الأمير بإشكالية تنامي فجوة الثقة بين الشعب والحكومات، وهي «تكبر ولا يمكن السماح باستمرارها» كل هذا يجب ان يتبعه جهاز اداري للدولة جديد قادر على استيعاب مفاهيم الحاكمية ومحاربة الفساد وتعظيم العلم وتشجيع روح البحث. وهذه المبادئ هي التي تسير بالدولة نحو التقدم، في ظل مجتمع غني متعدد، تتحقق في العدالة والمساواة والحرية والمسؤولية الواعية دون النظر للمنابت والأصول.

لم يغب عن الأمير التذكير بان قضية فلسطين والقدس، جزء من تاريخ هاشمي عريق، له امتداده قبيل الإمارة، وتكرس معها، وتجدد في زمن المملكة، ولم يغب عنه توكيد العدم والاعتزاز بنهج الملك عبدالله الثاني الذي يجد ويجتهد ويبذل الجهد في سبيل كرامة الانسان الأردني وخدمة الامة.

بهذا التوكيد على دعم الملك عبدالله بن الحسين، بعبارة «أشد على يديّ» ابن أخي، يقدم سمو الأمير الحسن رؤية احد حكماء البيت الهاشمي، في النظرة الكبيرة الواسعة لمفهوم الحكم وبناء الدولة، وهو مفهوم لم يشأ أن يقول سموه بأنه خلطة هاشمية خاصة، بقدر ما جعلة في سياق المنجز العروبي الاستقلالي النهضوي، وهو منجز تقدم وازدهر في الأردن دون غيره، ولكن منجز متصل غير منفصل مع الخطاب» الهاشمي الذي بدأه الشريف الحسين بن علي (ملك العرب) وأبناؤه الأربعة» وهو متصل نسباً وتضحيات في ملوك الأردن الأربعة والشعب العظيم.

ختاماً، قليلاً ما تحدث الهاشميون عن انفسهم، وعن دورهم، وفضلهم وتضحياتهم، ولكن في مقالة / وثيقة الأمير، بوح ورؤية كبيرة، لمسار المشروع النهضوي، وكيفية التعامل مع المستقبل، وضرورة تجديد الدولة بمزيد من الحصانات التشريعية والقانونية، وبمؤسسة عرش راسخة ذات تقاليد، وهي رؤية حداثية لدولة مدنية، دولة ذات قيم رفيعة، وصيرورة فريدة في المنطقة العربية.

 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير