
جفرا نيوز- خاص - قلب الدين سلطان
منذ ان تم تشكيل حكومة الخصاونة ورئيس الحكومة يصر في مجالسه الخاصة،وفي تصريحاته،وعبر تصريحات النافذين من طاقمه الحكومي،على اهمية الولاية العامة،وان الحكومة لن تتنازل عن هذه الولاية العامة تحت اي ظرف،والمقربون من الرئيس ترجموا هذا الكلام بأعتباره اعلانا صريحا من رئيس الحكومة انه لن يقف مطولا عند طوابق القرار الاخرى،ولا عند اراء المؤسسات الاخرى.
الرئيس كان صادقا في اشهاره للاستقلال عن بقية مؤسسات الدولة،اذ بدأت حكومته في بلورة مواقف منفصلة عن بقية المؤسسات،ووجهات نظرها ازاء ملفات مختلفة،من انفتاح الرئيس على الاسلاميين،مرورا بالغزل الناعم مع حركة حماس،وصولا الى عدم الوقوف مطولا عند اراء لمؤسسات اخرى،وكان اللافت للانتباه الطريقة التي عالج بها الرئيس ملف مظاهرة الاسلاميين في المفرق اذ تبنى رواية الشيخ حمزة منصور قبل ان تقع الواقعة،مطالبا الجهات الرسمية بحماية الاسلاميين،ناصحا الحركة بتغيير المسجد الذي ستخرج منه المسيرة،بدلا من اقناعها بالتراجع عن كل المسيرة.
على مدى اسابيع التقط الرئيس ان هناك فروقات حادة في التقييمات مابين اراء مطبخه السياسي،واراء مؤسسات رسمية اخرى،والرئيس لايستمع ولايريد ان يستمع بأعتبار ان الولاية العامة تعني ان القرار قرار الرئيس فقط،وانه لايجوز ان يخضع لاعتبارات اخرى تطرحها مؤسسات اخرى،لان هذا الخضوع يعني ان تتحول الحكومة الى اداة تنفيذية لمؤسسات اخرى،وكان واضحا ان هناك برودا ما في العلاقة مع الديوان الملكي،وهناك تشويش في علاقته بمؤسسات اخرى،بأستثناء مراهنته على مجلس النواب،الذي يعد ابرز حليف للرئيس لاعتبار بسيط يتعلق بكون مصلحة الحكومة والنواب باتت واحدة،فالرئيس لايريد حل النواب،حتى لايرحل هو،وهكذا تم تكييف التعديل الدستوري،الذي يضمن توازي السلطتين التشريعية والتنفيذية،ليتحول الى تعديل يضمن تحالف السلطتين التشريعية والتنفيذية.
بيد ان قضايا كثيرة آمن بها الرئيس ثبت عدم صحة رأيه بها،مما ادى الى تراجعه تدريجيا عن قصة الولاية العامة بمعناها المطلق،وهذا مايفسر اطلاق الرئيس لتصريح جديد قبل فترة قال فيه،ان الولاية العامة بالنسبة له لاتعني عدم التنسيق مع بقية المؤسسات،ولاتعني عدم تبادل الافكار مع بقية الاطراف،وسر هذا التصريح اكتشاف الرئيس ان الحماية السياسية لحكومته لايمكن ان تتم بمعزل عن التوافق في مطبخ القرار،ولا بمعزل عن رأي المؤسسات الاخرى،التي لها خبرة في بعض الملفات تفوق خبرة الحكومة،خصوصا،في بعض القضايا.
المقربون من رئيس الحكومة يقولون انه اكتشف ان وصفة الولاية العامة بمعناها الاستقلالي الكامل وصفة لتدمير الحكومة من الداخل،وتركها عرضة للاخطاء والمطبات،في بلد يموج بالتقلبات،وان هذه الوصفة كانت نتاج ذهنية الرئيس التي تجيد ترسيم الصلاحيات،ونتاج وصفات بعض وزراء الرئيس له شخصيا،ليكتشف الرئيس لاحقا ان ترسيم الصلاحيات امر مكلف جدا،ويترك الحكومة وحيدة عند "الكاش السياسي"لتدفع فاتورة قراراتها العامة والادارية،فيما اللجوء الى وصفة التوافق ولو ضمن الحد المتوسط يضمن قوة للقرار الحكومي،وحماية يبدو رئيس الحكومة في امس الحاجة اليها،في ظل ظروف البلد الداخلية.
على الرغم مما اشيع عن خلافات حادة بين الرئيس وبعض رموز المؤسسات الحكومية،الا انه يمكن القول اليوم،ان رئيس الحكومة بات يستمع ولو جزئيا الى اراء بقية المؤسسات،بعد اكتشافه ان التغريد المنفرد يجلب خسائر كبيرة،وبعد تعديله لوصفة الامساك بالولاية العامة بمعناها الانفرادي والذاتي،نحو الولاية العامة بمعناها السياسي،دون ان يمنع ذلك تسييل حلول توافقية بينه وبين بقية المؤسسات.
تراجع الرئيس اذن عن قصة الولاية العامة جاء ايضا بعد معاتبات على مستوى مرتفع،لان المرحلة لاتحتمل الجنوح نحو قرارات بشكل منفرد دون تغطية،ودون دراسة او تفكير بعقل اخر،لان فروقات الحسابات ستؤدي الى الاطاحة بالحكومة،وليس ادل من ذلك من خذلان الاسلاميين لذات الرئيس المنفتح عليهم،بعدم مساعدته بتخفيف حراكاتهم حتى يهدأ البلد قليلا،فيما ثبتت وجهات نظر اطراف اخرى في الدولة كانت تقول ان الانفتاح يجب ان يكون حذرا ومدروسا دون انزلاق في التصعيد السياسي العاطفي بين الطرفين.
اكتشف الرئيس ايضا قدرة مؤسسات اخرى على تسكين الداخل الاردني خلال الفترة الماضية،بما يفوق قدرة حكومته،وهذا يعني انه لولا هؤلاء لما تمكن الرئيس من العمل بشكل شبه هادئ،وهذا يأخذنا الى الاستنتاج النهائي الذي يقول ان مبدأ الولاية العامة ليس اعلانا للاستقلال،بقدر كونه مفهوما سياسيا يخفي خلفه حدا من التنسيق بأعتبار ان الحكومة جزء من مطبخ القرار في الدولة،وليس مطبخ القرار الوحيد.