جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب سائد كراجة
تعد انتفاضة الشعب الفلسطيني العام 1987 نقطة محورية في نضال هذا الشعب لنيل حقوقه في الحرية والاستقلال، وأعتقد أن تلك الانتفاضة هي أهم زلزال اجتاح المشروع الصهيوني، فالانتفاضة كانت في جوهرها استلاما لجيل الشباب راية قيادة النضال الفلسطيني من القيادات التقليدية التي تماهت مع إشكاليات الأنظمة العربية، ذلك الجيل الذي عايش الاحتلال وعرفه عن قرب، وإذا كانت السياسة هي القدرة على التمييز بين الأعداء وبين الأصدقاء؛ فإن ذلك الجيل من الشباب الفلسطيني حدد أعداءه بوضوح، وحدد طريق خلاصه بالنضال بوسائل سلمية شعبية فكان واعيا سياسيا بامتياز.
المتتبع للأحداث بعد الانتفاضة الأولى خصوصا، يرى أن الجهود تركزت لنزع زمام قيادة النضال الفلسطيني من شباب الانتفاضة، فجاء مؤتمر مدريد الذي توج باتفاقية أوسلوا العام 1993 ، والتي – ودون الدخول في التفاصيل- ركزت على حق التمثيل أكثر بكثير من التركيز على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، اليوم وبحكمة رجعية يتفقُ ـ وحتى أكثر المتفائلين آنذاك ـ أن إسرائيل أرادت أي شيء سوى الاعتراف بالحقوق الفلسطينية في الاستقلال وتقرير المصير، ونذكر هنا المبادرة العربية للسلام العام 2002، التي اعتقد العرب أن إسرائيل ستركع تحت بنودها قبولا، ولكنها فاجأتهم باهتمام بارد بتلك المبادرة بل بالإعراض عنها.
منذ أوسلو وحتى اليوم والعملُ جار على قدم وساق لتجريد الفلسطيني من قدرته على النضال «والانتفاض»، وذلك بتوريط قيادته باتفاقيات وهم السلام من جانب، وبمحاصرته اقتصاديا وسياسيا من جانب آخر، والهدفُ أن يصل الفلسطيني لمرحلة لا يقوى فيها على المقاومة، ولا على الانتفاضة وفي هذا الصدد تركزت الجهود الأميركية الإسرائيلية المتراكمة على تحقيق حلم قديم للصهيونية العالمية، وهو حلم تلاشي الفلسطيني، وتلاشي القضية الفلسطينية، وأهم خطوة لتحقيق ذلك – في ظنهم- هو استبدال القضية الفلسطينية بقضايا جديدة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تصبح إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي ثانويا أمامها.
نجحت الخطةُ إلى حد بعيد، واليوم بعضٌ من العرب تنازلوا عن مركزية القضية الفلسطينية إلى اعتبارها ثانوية أمام أخطار مختلقة أو حقيقية، وهذا أمرٌ مختلفٌ عليه، ولكن تم تقديم وتهيئة تلك الأخطار على نحو يؤهلُ البعض لاستبدال القضية الفلسطينية بل اعتبارها عبئا على مصالحهم، وهنا نذكر أن القضية الفلسطينية للعرب كانت طريقهم لتلمس معاني الحرية والاستقلال والنهوض السياسي وحتى الاقتصادي، وهي قضية وموقف وليس عبئا سياسيا لو يعقلون، وهنا يمكن أن نقول: لا تكرهوا شيئا لعله خير لكم، فإن رفع الأنظمة العربية يدها عن القضية الفلسطينية قد يكون فيه خيرٌ للفلسطينيين، ذلك أن القضية الفلسطينية دفعت الكثير بسبب سياسات العرب وتحالفاتهم وأحلافهم منذ وعد بلفور وحتى الآن.
كمواطن أردني أعتز بمواقف الأردن والأردنيين، وأعتقد جازما أن الأردن والأردنيين سيبقون بحكم عوامل التاريخ والجغرافيا السند الدائم للشعب الفلسطيني، وأرى أن التضامن مع الشعب الفلسطيني يكمن في حقيقة أن حلم إسرائيل يتلاشى، هذا الشعب هش تماما مثل المشروع الصهيوني نفسه، رغم كل صلافته وقدرته المالية والاقتصادية، الشعوبُ لا تقهر ولا تتبدد ولا تختفي، وسيبقى الشباب الفلسطيني المتجدد بوصلة لتحقيق كامل حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ولا للاستبدال ولا للمبادلة، ولهذا، وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي صادف يوم أمس نقول: إن التضامن مع الشعب الفلسطيني هو تضامن مع حقيقة أنه شعب وإن توالت عليه المحن والمصائب، فإنه بمجرد وجوده على الأرض ونضاله المستمر، سيقيمُ الحق والحرية ويقرر مصيره، وسيرسم معادلات السياسة ويسترد حقوقه ولو بعد حين، فاهم علي جنابك؟