جفرا نيوز -
جفرا نيوز- كتب: بلال حسن التل
لو كانت المناصب هي التي تصنع مكانة الإنسان, وتُخلد ذكره, لتساوى كل من شغل منصب ما, ولم يتميز إنسان عن إنسان شغل نفس المنصب وتمتع بنفس الصلاحيات, لذلك فرقت العرب بين الرجال الذين يكبرون بالمناصب, والرجال الذين تكبر بهم المناصب, ومن هؤلاء الشهيد الحي وصفي التل, فبماذا تميز وصفي ليظل حاضراً في يوميات شعبه رغم أن رصاص الغدر غيب جسده منذ نصف قرن؟
الإجابة هلى هذا السؤال, تحتاج إلى دراسة مكونات شخصية الرجل, التي أول ما يطالعك منها الإصرار والعزيمة, وهي صفة تجعل صاحبها لا يستسلم للظروف, ولا يتذرع بقلة الإمكانيات, ليتقاعس عن تحقيق مشروعه, وهو بالضبط ما فعله وصفي صاحب مشروع التحرر القومي, الذي آمن به منذ بواكيره الأولى, واستعد له بكل ما توفر له من إمكانيات, وسلك إليه كل السبل المتاحة, فأعد نفسه إعداداً عسكرياً جعل منه قائداً عسكرياً فذاً من الناحيتين النظرية والعملية, تشهد على ذلك معاركه في الجليل ورفضه الهدنة وإصراره على مواصلة القتال, رغم معرفته الأكيدة بقلة إمكانياته المادية, مؤمناً بأن حُسن التوظيف مع التسلح بالإرادة وحُسن التخطيط هو السبيل للتغلب على قلة الإمكانيات, وهي قناعة رافقت وصفي حتى آخر لحظة من عمره, لذلك لم يتردد في أن يخوض كل معارك وطنه وقيادته, مؤمناً بأن الأردن وطن دور ورسالة, يجب القيام بأعبائهما وهو إيمان رفد ولائه لمليكه ولدور آل هاشم في تحقيق مشروع النهوض العربي, لذلك ناطح وصفي بقيادة الحسين كل الذين حاولوا تهميش الأردن الدور والرسالة, غير مكترث بقلة الإمكانيات قياساً إلى إمكانيات خصوم الأردن من عرب وعجم.
ومثلما آمن وصفي بالإرادة وحُسن التخطيط للتغلب على قلة الإمكانيات فقد آمن أيضاً بدور الخُلق في بناء المجتمع القوي القادر على كسب معركة التحرير, ببعديها تحرير الإنسان كمدخل لتحرير الأوطان, وإيمان وصفي بالخُلق زوده بقدرة عجيبة على البحث عن الكفايات واستقطابها وتوظيفها في خدمة المشروع الوطني, كجزء من المشروع القومي, والوقائع والشهادات كثيرة عن بحث وصفي عن الكفايات واستقطابها, وكلها تدل على ثقة الرجل بنفسه, وإخلاصه لوطنه وقيادته, وسعيه لحشد جميع الإمكانيات والخبرات لخدمتهما, لذلك كانت فرق عمله تضم جميع الأطياف الفكرية والسياسية والعرقية والجهوية, فقد كان يؤمن أن في هذا الوطن متسعاً للجميع, وأن إتاحة الفرصة أمام الناس هي السبيل لإحتواء من كان معارضاً منهم, لذلك كان عوناًللحسين في فتح الأبواب للمعارضة ودفعها للانخراط في مسيرة بناء الدولة والوطن, على غير ما يفعله من لا يثقون بأنفسهم فيمارسون إبعاد الكفايات من خدمة وطنها وقيادتها, وهذه قمة الخيانة للوطن وقائده, وهي خيانة لم يمارسها وصفي لذلك تميز.
Bilal.tall@yahoo.com