جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب - د. صبري الربيحات
قبل سنوات كانت الحوارات الدائرة حول الاقتصاد الأردني منصبة على المديونية والخصخصة وسياسات محاربة الفقر والحد من البطالة وحماية المال العام وحماية الطبقة الوسطى والعمل على منع تآكلها. على أهمية هذه الأهداف وضرورة التمسك بها، إلا أن هناك ظواهر جديدة تحمل أخطارا وتحديات مركبة ومتداخلة.
وسط انشغالات مجتمعنا بالكورونا والتخمين حول المسارات التي قد يتخذها منحنى التفشي والوفيات، تواجه المشاريع والأعمال الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبرى مشكلات الإفلاس والتعثر وما يرتبط بها من تهديدات اقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة.
استمرار هذه الأوضاع دون وجود خطط للطوارئ والخلاص من المشكلات وتداعياتها على أصحاب هذه المصالح والعاملين فيها قد يدخل البلاد والمجتمع في أزمة غير محسوبة العواقب.
بالرغم من الحديث عن الاستثمار والتشجيع وطرح بعض الأفكار هنا وأخرى هناك، فمن غير المفيد ترك الأوضاع وما يلازمها من غضب وإحباط دون تقديم برامج شمولية للتعاطي مع الواقع ومستجداتها.
في إحدى مدن المملكة يعرض أحدهم المركز الطبي الذي أنشأه قبل أعوام للبيع بأقل من نصف القيمة، وفي مدينة صناعية مجاورة للعاصمة يتواصل أحد أصحاب مراكز فحص وتصليح المركبات مع الزبائن ليبلغهم أنه سيغلق المركز ويخرج من هذا الحقل الذي عمل فيه لعقود. في كلتا الحالتين جاءت قرارات الإغلاق لعدم قدرة أصحاب الأعمال على أداء الالتزامات مما قد يعرضهم للمساءلة القانونية.
الوضع الذي يعاني منه الأطباء والصناعيون لا يختلف عما يواجهه أصحاب الورش الصناعية والمطاعم وحتى خدمات تنظيف وكي الملابس.. ففي مجمع تجاري صغير في العاصمة أغلق ثلاثة من أصحاب المطاعم والمحال الصغيرة محالهم بعدما أصبحت الكلف تفوق العائد.
في الأردن اليوم ومع وجود وتزايد أخطار الجائحة، أصبح من الضروري العمل على مأسسة الإجراءات التي تحكم إدارة وتشغيل الأعمال وإدامة عجلة الاقتصاد بما يحقق الأمن الصحي والاقتصادي من خلال رؤية واضحة تطمئن التجار والزراع والصناعيين على مستقبل أعمالهم وتوفر لهم الحماية الكافية وتديم نشاطهم في هذه الظروف الاستثنائية.
التفهم والتعاطف اللذان يعبر عنهما الرسميون في خطاباتهم وبياناتهم يحتاجان الى إسناد برامجي يوظف المعرفة بالواقع ويوجد معايير وتدخلات تحول دون انزلاق المزيد من الأعمال وأصحابها الى دائرة التعثر.
الأدعية والتمنيات بالنجاح والتوفيق والفلاح لا ولن تحل مشاكل مئات آلاف الأسر الأردنية التي تعتمد في دخلها على الوظائف التي تتناقص مع كل إغلاق.
مسؤولية التعثر الذي يواجهه الأردنيون اليوم لا تقع على الأفراد وأصحاب الأعمال فقط، فهو نتاج لفشل الإدارات في تقديم التوجيه والإرشاد والتسهيلات الإنتاجية والتصديرية والحد من التكرار والتزاحم بين الأعمال والمشاريع المتشابهة.
في بلادنا اليوم وأينما ذهبت تسمع الجميع يتحدثون عن التعثر ويبحثون في أسبابه ويتعرضون لآثاره المحتملة على الاقتصاد والمجتمع والأمن.
للكثير من الناس لا يكفي اليوم الحديث عن التعثر باعتباره قدرا أو سوء حظ تسببت به عوائق أو حواجز ومعضلات غير متوقعة أو محسوبة. في الأحاديث التي يتبادلها الأردنيون حول الاقتصاد والعمل والاستثمار والسياسة تقفز مفردة التعثر باعتباره واقعا يواجهه الآلاف ويحتاج الى خطة إنقاذ لحماية من وقعوا أو قد يقعوا في حبائله.
الكثير من الأسر الأردنية التي عانت من التعثر يتملكها الغضب وتشعر بالإحباط والإهمال بعد أن فقدت أحلامها وتعطلت قدراتها المالية، فلم يعد بمقدورها الوفاء بالتزاماتها أو سداد ديونها أو حتى امتلاك ما يكفي لسد حاجاتها اليومية.
الحقيقة التي تغيب عن الأذهان أن التعثر لم يبدأ مع كورونا، فقد أسهم ارتفاع معدلات الضرائب والرسوم مقرونا بتصاعد كلفة الطاقة وإغلاقات الباص السريع وتوقف أسواق الدول المجاورة عن استقبال السلع والمنتجات الأردنية.