النسخة الكاملة

الدولة الأردنية تستحضر هويتها ....لمواجهة أزمة كورونا

السبت-2020-04-04 10:59 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب : الدكتور محمد الجريبيع
يثير موضوع الهوية الوطنية ودورها في مواجهة الأزمات المتلاحقة الأسئلة أكثر مما يقدم من الأجوبة، ويحتاج إلى التوقف عند كل سؤال يتكرر، لعله يفتح طريقا نحو البحث عن الإجابات، وإذا كان الإسراع في الإجابة يحمل الكثير من الأخطاء، فإن التريث عند مواجهة الأسئلة قد يخلق الفرصة للتأمل والبحث والتبرير، لذلك من الطبيعي إعادة البحث من جديد عن مفهوم الهوية الوطنية، هل هو مفهوم جديد مستحدث، أم هو مفهوم متطور مترسخ كان ملازماً لكل الأزمات التي واجهت المجتمع.
الهوية الوطنية مفهوماً متأصلاً في تاريخ الشعوب، يولد معها ويكبر ويتعزز بها وهي انعكاس له، فالهوية هي ذاك الوعاء الوطني الكبير الذي يعترف يوثق ويستوعب لكل مكونات المجتمع ويخلق منها كياناً موحداً يمثل المجتمع ولا يقصي أو يلغي أحداً، بل ليقويه داخل الإطار الوطني العام، الذي يقدر كل مكوناته ، ويضع نقطة ارتكاز وانطلاق واحدة نحو تحقيق الأهداف العليا.
ومنذ أن اجتاحت أزمة وباء الكورونا الكوكب، بدأ العالم يعيش حالة من التخبط والهستيريا ، فضاع ما بين السياسة والإقتصاد والصحة، ولم يعد يعرف أولوياته وكيف عليه أن يدير الأزمة، هل يديرها بالبعد السياسي أم الإقتصادي أم الصحي، بل ان كثير من دول العالم حاولت الهروب بافتعال حروب كلامية سياسية اتهامية.
وهنا تظهر أهمية التأمل في تفرد حالة الأردن كدولة من حيث طريقة ادارة الازمة وبعيداً عن أي أبعاد سياسية أو اقتصادية للكورونا حيث تم التعامل معها كأزمة تهدد أمن وسلامة المواطنين وتعرض حياتهم للخطر، فبدأ باستنهاض الدولة الوطنية وحفز مكوناتها، حيث تم إطلاق هويتها الوطنية الجامعة، ومغازلة عقلها الباطن، وتفجير بركانها الوطني، وإشعال مواقدها، وإعادة ذاكرتها الوطنية.
حيث بدأت ببعدها الصحي المتخصص ليؤسس الجانب المهني في الأزمة، فقدمت القطاع الصحي في مواجهة الأزمة لتبرهن أن الكفاءة والمهنية والمنطقية حاضرة في الأزمة ومعالجتها، فأوجدت البيئة الصحية الملائمة وما تحتاجه من موارد بشرية ومادية، فكشفت أولى رسائلها ، بأنها دولة المؤسسات التي تعتمد على الشخصية الأردنية وكفاءتها وقدرتها، لتقدم مفهوم الهوية الوطنية القائمة على الإنجاز والتي تنحاز له وسط التنوع والتعدد.
ثم استعانت بحراس الهوية وصناعها والأكثر تعبيراً عنها المؤسسة العسكرية لمعرفتها بالعشق الذي يربط الشعب بها، فأوجدت البعد الآخر للهوية المرتكزة على الثقة والإنتماء والأصالة، وعززت قيم الحب والمصداقية والعطاء والإنحياز للوطن، ونزع فتيل الخوف لدى كل مواطن على حاضره ومستقبله وتحويله إلى طاقة إيجابية.
ولم يغب عن عقل الدولة الأردنية قيمتها وميزتها الأساسية المرتكزة على التنوع والتعدد، وأن الوطن يسمو على الجميع، وبدأت بتمكين الهوية الوطنية الجامعة للمجتمع الواحد وكيفية تأسيسه لبقية مراحل عمليات البناء، فبدأت بفتح المجال لباقي قطاعات ومؤسسات الدولة للإنخراط والإشتباك الإيجابي، فاستحضرت هويتها في مواجهة أزمة كورونا وعززت قيم الإيجابية والتطوع والمبادرة والحكم والوعي وتقديم الهم والمصلحة العامة على الهم والمصلحة الخاصة، واستقطبت جهود القطاعات المختلفة الخاصة منها والعامة. وعملت على مأسستها وتنظيمها لتصبح مكملا ًوداعماً لأدوار ومهام الحكومة، وفي خضم ورشة العمل الوطنية للدولة الأردنية لمواجهة أزمة كورونا بدأت تفكر بما هو آت بعد الأزمة وكيف سيتم التعامل معها وتأثيراتها المختلفة وبدأت تقدم نموذجاً للهوية الوطنية وهي الهوية القابلة والقائمة على التكيف مع ما هو مستحدث والقدرة على الإشتباك الإيجابي مع التغييرات المجتمعية والسياسية والثقافية والإقتصادية وكيف ستترك أزمة كورونا تأثيرها على الفرد بل على الدولة بكاملها، تغييرات هامة ستحدث في العمل، وفي القدرة على تحريك الأشياء، وفي المجتمع: أفكاره، قيمه، سلوكياته، عاداته وتقاليده، وثقافته، وفي نمط التعليم والعلوم والفنون، كما أنها استوعبت أن التحولات لن تقتصر على المدن بل على الأرياف والبوادي والمخيمات، وأهمية العمل على ردم الفجوات التنموية بين مختلف محافظات المملكة.
لقد قدمت الدولة الأردنية بكافة مكوناتها نموذجاً مهماً في التعاطي مع أزمة كورونا بكافة أبعادها، واستطاعت أن تعيد اكتشاف هويتها وعلاقتها مع أفرادها بعد مرحلة من البرود والتباعد وأحيانا الجمود والمراوحة، وكانت تقدم خطوة للأمام وأخرى للخلف، فاستحضرت هويتها الوطنية بكافة مكوناتها وصفاتها وعملت على بلورة مفهوم وطني للهوية يتجاوز كافة المفاهيم الضيقة، وتعيد للهوية بريقها المستند للتنوع والتعدد في ظل وطن واحد، وتكرس مفهوم الوعاء الوطني الكبير للهوية الذي يجمع الجميع بدون إقصاء أو تهميش، وتؤكد أن الهوية هي دستور ضمني غير مكتوب ولكنه كائن يتجدد في نفوس ابناء الوطن، وأطرتها بمفهوم الإنجاز والشراكة والإيجابية والحكمة والمهنية، لذلك عندما استحضرت الدولة هويتها، أجادت وأبدعت وكرست نفسها في عقول وقلوب أبناءها، وهنا يمكن طرح التسائل الاهم وهو كيف يمكن للدولة الاردنية ان تستفيد من تجربتها الفريدة بإدارة ازمة كورونا والثقة الشعبية الكبيرة التي حصلت عليها بإدارة شؤونها في قادم الايام......؟
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير