النسخة الكاملة

على من يعتمد الوطن ؟

الخميس-2020-03-19 01:38 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز - عبدالهادي راجي المجالي
يعتمد على العسكري بالدرجة الأولى , فهو ينفذ الأمر بدون تردد , وأمضى أمس ليلته تحت البرد والمطر , وهذا الصباح ربما أفاق قبل بزوغ الشمس وحلق اللحية , وتأكد من الجاهزية وغادر لموقعه .. يعتمد الوطن الان على الممرض الذي قدم من الرصيفة , وقد تخرج من الجامعة منذ سنوات قليلة , وكان أبوه يمضي على السرفيس ليال طويلة , كي يدخر بعض المال لأجل دراسته , وهو الان في قلب الخطر ..ولم يعد أمس للرصيفة , نام في المستشفى وبدد قلق أمه حين أخبرها أنه بخير , والطعام جيد وممتاز ...والغرفة التي ينام فيها دافئة جدا . يعتمد الوطن الان ...على سعد جابر الذي تدرج في سلك العسكرية والطب من ضابط صغير مستجد , يحلم بركوب سيارة صغيرة , ويحلم بحياة جميلة ..وأمل بمستقبل أخضر لا قلق فيه ولا تعب ولا مشقة .. يعتمد الوطن الان على أمجد العضايلة , فتى جاء من (زحوم) في الكرك , وهنالك تنبت الخبيزة , وينبت الزعتر والقيصوم , وبين كل شتلة وشتلة ينبت زهر من الرضى , فالناس هنالك أحبت الأرض ..وارتضت الشمس حين تشرق على رؤوسهم كفافا ليومهم , وزادا للحياة ...الكبرياء في (زحوم) أهم من الخبز .. يعتمد على فتية في مخيم البقعة , حيث الصفيح ينثني على الصفيح , وأعلام فلسطين رسمت بيد واثقة على جدار مرتجف , وقد اتفق هؤلاء الفتية ..أن يرحلوا كل يوم للشارع العام كي يحضروا للنساء والأرامل , كل حاجياتهن من الخبز والخضار ...واتفقوا على أن كل وردة تنبت في الربيع على أطراف المخيم , ترابها أردني والساق فيها فلسطيني ...والعبق هو بعض مما علق في أكفان شهيد , استعد للتو كي يسجى ..في مستقره الأخير على من يعتمد الوطن الان ..؟ على العسعس ..كان البعض يتهمونه بأنه ديجتال , ولكن تبين لنا أنه ابن (المسخن) الفلاحي الذي كان يوزع على الجيران قبل أن يأكل منه أهل البيت , وابن الأب الصارم الذي علمه أن كل ذرة تراب في هذي البلد قد مر عليها ألف ولي صالح , وأن الصلاة حتى بدون ماء على ترابه تجوز ...وأن الرجولة تقتضي منه أن يقاتل في الحياة , لأجل أن يكتب اسمه في صف من يعملون ..وليس من يبنون شركات الفحش والسمسرة ..وسرقة أموال الشعوب . ويعتمد على الحموري وزير التجارة, وقد اتهمته فيما سبق , بأنه مهزوز وقلق حين يخرج في تصريح ..ولكن الإعتراف بما في الناس فضيلة , كنا نجزم فيما مضى بأنه شاب مدلل ..جاء إلى الموقع تحت مسمى (المؤلفة قلوبهم) ...ولكن ما قدمه في الأيام الماضية , يوحي بأن ثمة غيرة وطنية ....وأن سنابل حوران , نبتت في حواشي قلبه ..وأنه في المشهد صار مقاتلا وليس وزيرا .. لقد أنتج نظرية الوزير المقاتل . على من اعتمد الوطن ..؟ حسنا بعد هذه الأزمة على الدولة أن تنظر في تحالفاتها جيدا , وتدرك جيدا ...أن مجتمعات السفارات ومجتمعات (الأن جي أوز) صمتت , أن الذين لهفوا الملايين ..وأنتجوا مراكزا باسم الأردني وباسم حريته وباسم كرامته , لاذوا بزوايا بيوتهم ..لم ينطقوا حرفا , ولم يدفعوا فلسا ..وربما بشروا بانهيار منظومتنا أكثر من تبشيرهم بالنجاة ..
بعد هذه الأزمة على الدولة أن تعرف من هم (زلمها) ...الذي خصخصوا مقدرات البلد , وشركاتها ..والذين أثخنوا ميزانيتنا , وأشبعونا نظريات في الإقتصاد ..وصنفوا المجتمعات العشائرية , بأنها عبء على الدولة ؟....أم الفقراء الطيبون الذين نفذوا الأوامر وما عادوا لبيوتهم ..وظلوا رفاقا لليل يساهرونه ويساهرهم .. من هم (كبار البلد) حقا ...ثلة الأولاد الذين ظهروا في فيديو من البحر الميت, وبحكم فائض الثروة التي يملكها الاباء عابوا النعمة وشتموها , أم ذاك العسكري الذي هو بعمرهم ...وقرر أن يلتحق بالجيش مؤمنا أن شهادة الرجولة أهم من شهادات بريطانيا , ووقف طول الليل بكامل عتاده وعدته يحرس الناس ويؤمنهم بالمستلزمات ....وحين جاءت وجبة الطعام إليه حمد الله , وقرر أن لايتناولها إلا بعد يؤدي صلاة العصر مع الفصيل المسلح الذي ينتمي إليه .
كورونا ليس بالمرض , وإنما هو اختبار كي تعرف الدولة من هم (زلمها) ..كي تعرف أن معهد (كارنيغيه) يعلم الكلام ولا يعلم تعبئة الذخيرة في المخزن , كي تعرف أن (الصلعان) الذين حكمتهم في خبزنا واقتصادنا , ليسوا سوى زبد بحر تبخر عند أول مصيبة ...كي تعرف أننا حين كنا نتحدث عن الهوية , لم يكن حديثنا عابثا فمن يملك هوية ..سيدافع عنها في وجه أي خطر كان , ومن كان يحاول تحطيم هويتنا وتذويبها ..كان يعدنا لزمن ننهار فيه عند أو أزمة ... حان للدولة أن تصحو ..أن تعيد تحالفاتها جيدا , أن تقرأ شعبها ...أن تقرأ وجوه الناس وأن تعرف , من كان يحب الوطن ...بقلبه ما كان ولاءه أصيلا مضمونا , ومن كان الولاء عنده مدفوعا مقدما بشيكات من دمنا ولحمنا ...

 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير