النسخة الكاملة

حين تنتهي الأزمة

الخميس-2020-03-19
جفرا نيوز - جفرا نيوز -  عبادة الزبيدي
الصين ..
بعد مرور أشهر على أزمة "كورونا" ها هي الصين اليوم تقف بكل فخر نافضة عنها بقايا هذا الفيروس الخبيث الذي فتك بأكثر من 3000 شخص في الصين وحدها .. 
قد يبدو المشهد ضبابيًا الى الآن ولكن كل المعطيات تشير الى أن الصين بجميع كوادرها الصحية والأمنية واستنفارهم على مدى أشهر استطاعت حصر الفيروس أخيرًا أما ما بقي فهو "مرحلة التعافي" والتي بلا شك سينتج عنها ضحايا ولكن الجانب المشرق هنا أن البلد الذي يسكنها مليار ونصف إنسان استطاع الوقوف أمام أحد أشرس الفيروسات في الزمن المعاصر وبأقل عدد ممكن من الضحايا فما هي العبرة التي يمكننا أن نأخذها من التجربة الصينية؟ 
 إن المعركة بين الإنسان والفيروسات هي معركة أزلية ولن تنتهي بل ستبقى الى أن يفنى أحدهما وكما تتعلم الفيروسات من تجاربها فالبشر أيضًا يتعلمون من تجاربهم فالتجربة الصينية على سبيل المثال أعطت درسًا للعالم في الالتزام بالقوانين التي وجِدت لحماية الناس كما أن التكاتف والتلاحم الشعبي والحكومي كان هو العلاج الوحيد أمام كورونا وليس العقاقير أو الأدوية التي لا شك بأنها خففت الأعراض .. المثير للاهتمام هو أن أنظار الناس حول العالم التي اتجهت الى الصين أثناء أزمتها كانت تراقب وتترقب ما سيحل بالصين والبعض كان يتأمل بأن تقضي على الفيروس قبل أن يبدأ بالانتشار عالميًا وهو ما لم يحدث بل العكس .. أوروبا مثلًا لم تكن تتوقع حتى في أسوء كوابيسها أن يعلن كورونا عليها الحرب بهذا الشكل ولم تكن مهيأة أبدًا لاستقباله فحدث ما حدث وما شاهدناه في ايطاليا خير دليل.

ايطاليا ..
ما حدث في ايطاليا تحديدًا كان مرعبًا للغاية ولا نستطيع أن نضع اللوم على مجموعة معينة .. فلا الحكومة الايطالية كانت تتوقع هذا السيناريو ولا الشعب الايطالي كان يدرك حجم الخطر .. اذًا نحن هنا أمام مشكلة حقيقية عالمية استطاع كورونا وحده أن يكشفها للعلن .. الوعي! .. لو قارننا بين الصين وايطاليا من حيث مواجهة الفيروس واستثنينا الجانب الاقتصادي سنجد أن العامل الذي حسم المعركة في الصين وكسر ظهر الشعب في ايطاليا هو الوعي .. هناك مثل أو مقولة شعبية تحضرني الآن وتقول "طالما النار بعيدة عن ثوبي خلي العالم ينحرق" وهذا هو تمامًا ما حدث للأوروبيين والطليان تحديدًا فلم يكن الوعي الشعبي في تلك المرحلة كافيًا لإدراك حجم المشكلة القادمة وبسرعة باتجاههم .. قد يكون السبب هو عدم مبالاة من طرف الحكومات أو الخوف من ردة فعل الشعوب لو تمت مصارحتها بالحقيقة الكاملة ولكن مع وجود الانترنت والسوشيال ميديا التي أصبحت بديلًا لكل الناس حول العالم عن التصريحات المحلية الحكومية فكان يكفي أن يطّلع الطليان أو غيرهم على سرعة انتشار هذا الفيروس ومدى خطورته حتى يبدؤوا باتخاذ التدابير الاحتياطية ولكن العكس هو ما حدث والثمن نحن نشاهده اليوم على أرض الواقع .. حالات وفاة بالجملة وذعر وارتفاع في أسعار السلع ..الخ .. والى هذه اللحظة ما زالت ايطاليا تعاني ولا تجد مغيثًا لها .. سياسة "نفسي نفسي" كانت السياسة السائدة في الاتحاد الذي لم يعد اتحادًا بعد هذه الأزمة وهو ما يستطيع أي قارئٍ للمعطيات الحالية أن يؤكده اليوم.

الأردن ..
هنا علي أن أقف دقيقة لأشيد بالأداء الحكومي والتوجيهات الملكية في الأردن ولا أنكر بأن هناك بعض الأخطاء التي حدثت في البداية والتي كان من الممكن تجنبها الى أن سرعة تحرك الحكومة لمواجهة الأزمة واتخاذ تدابير احتياطية وإقرار قوانين وتطبيق سياسات تتلاءم مع الأزمة هي نقطة تسجل لهذه الحكومة في ظل جميع القضايا التي كانت تشغل الأردنيين قبل قدوم هذا الفيروس الخبيث وأعرج هنا أيضًا على قانون الدفاع التي سارعت الحكومة بتطبيقه في ظل هذه الأزمة ثم أعود لأستذكر ايطاليا والصين فالنموذج الصيني طبّق أقصى ما يمكن فعله في ظل هكذا أزمات وقانون الدفاع في الأردن كان واجبًا لابد من تنفيذه على الأرض في ظل استهتار بعض المواطنين للأسباب التي ذكرتها في ايطاليا وغيرها أيضًا .. أحيانا يلجئ الطبيب لإعطاء الدواء لمريضه بالقوة حتى ينقذ حياته وهنا يأتي دور قانون الدفاع .. وان كان العالم ينتظر لقاحًا لهذا الفيروس أو عقارًا لعلاجه دون إجراءات مثل قانون الدفاع فتلك معركة خاسرة بلا شك فحتى أعتى المختبرات وأفضل العلماء وأكبر مصانع الدواء حول العالم لا يستطيعون تطوير لقاح بهذه السرعة فالأمر يحتاج بعض الوقت للوصول للصيغة المناسبة .. لا شك بأن الأمور مازالت ضبابية في الأردن كما هو الحال في العالم ولكن في الحالة الأردنية فإننا نستطيع أن نقول "لقد فعلنا كل ما يمكن فعله" .. وحين تنتهي هذه الأزمة سنقف لنحيي أنفسنا ونحيي الكوادر الصحية والأمنية والوعي الشعبي والصلابة والحكمة الحكومية وبلا شك فوق كل ذلك المتابعة الهاشمية الحثيثة لهذه الأزمة .. ولكن قبل أن نصل الى هذا المرحلة هناك نقطة يجب ألا يغفل عنها أحد.

حين تنتهي الأزمة ..
قبل نهاية الأزمة سنقف جميعًا لنتذكر من وقف معنا ومن كان رفيق سلاحنا في هذه المعركة ومن هم الجنود الحقيقيون الذين كانوا خط دفاعِنا الأول ومن هم الذين أداروا ظهرهم لنا حين كنا بحاجة ماسة لهم سواءًا على المستوى المحلي أو المستوى العالمي .. سنتذكر بأننا وضعنا رجال الدين والسياسة والفنانين والمؤثرين والمشاهير ولاعبوا كرة القدم وكل من هم تحت أضواء الشهرة في العالم جانِبًا ووقفنا خلف علمائنا وأطبائنا وأجهزتنا الأمنية والشرفاء من المواطنين والمؤسسات التي منحت الدعم للحكومة وبسخاء ووضعت كل إمكانياتها في يد الوطن لمواجهة الخطر .. سنتذكر كل من وقفوا في الخطوط الأمامية دفاعًا عن بقائنا .. عن بقاء الانسان .. وحينها سندرك كم كنا مقصرين بحقهم وسندرك أيضًا أن الشهرة والمجد لا تليق بمن اختبئوا في جزرهم الفارهة وفنادقهم الفخمة تاركين العالم كله في مواجهة خطر الفناء .. تلك ليست مبالغة اذا كنا ننظر بعين الواقع الى أين كنا البارحة .. وأين نحن اليوم.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير