اجراءات البنك المركزي والتطورات المصرفية والمالية المحلية والدولية
الخميس-2020-03-17

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - مروان الزعبي
فيروس كورونا أربك العالم مثل حربٍ عالميةٍ وأنتج أزمات مصرفية ومالية واقتصادية واجتماعية وسياسية لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر وترك الحكومات لا تعرف من أين تبدء بالعلاج وكيف. والأردن كغيره من الدول يعاني خاصةً في ظل شُح الموارد وانفتاحه على العالم الخارجي (حجم التجارة الخارجية نسبة للناتج المحلي الاجمالي) حيث تبلغ هذه النسبة بحدود 65% وهي نسبة مرتفعة بالمقاييس الدولية. وعلى الرغم من ذلك هو بلد مستهلك بدليل وجود عجز مزمن في الحساب الجاري حيث تبلغ مستورداته من السلع والخدمات 55% وصادراته 35% من الناتج المحلي الاجمالي.
لكنه يعتمد في سد عجز الميزان التجاري على ميزان الخدمات من حوالات العاملين وسفر ومساعدات خارجية بالاضافة الى حساب رأس المال المتمثل في الاقتراض والاستثمار الخارجي. الأيام القادمة ستشهد انخفاضاً واضحاً في المستوردات والصادرات السلعية لأنه تحول الى دولة مغلقة خوفاً من الفيروس بالاضافة الى زيادة الطلب الاستهلاكي وتراجع العوامل الايجابية والمتمثلة بحوالات العاملين والسياحة بشكلٍ رئيسي.
وعلى المستوى المصرفي والمالي، ارتقى البنك المركزي فوق مستوى الأزمة واتخذ مجموعة هامة من الاجراءات أهمها تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الالزامي من 7% الى 5% بهدف توفير سيولة للبنوك بحدود 550 مليون دينار. ولولا ذلك، لتعرضت البنوك لأزمة سيولة حادة لأن الطلب على النقد في تزايد مع مرور الوقت لتغطية الحاجات الاستهلاكية وستصل البنوك الى مرحلة لا تستطيع معها مقابلة الطلب على السيولة لولا هذا الاجراء، لأن أموالها مستثمرة في قروض أغلبها طويلة الأجل ناهيك عن تراجع قدرة المدينون على السداد بسبب تراجع النشاط الاقتصادي.
وعلى الرغم من أهمية هذا الاجراء، الا أنه من المعروف أن الاحتياطي النقدي يُعتبر أداة غير مرنة لذلك نتوقع أن يلجأ البنك المركزي الى تفعيل أدواته الأخرى الأكثر مرونة مثل اتفاقيات اعادة الشراء (الريبو) حيث يستطيع ضخ السيولة كلما احتاج السوق لذلك من خلال شراء الأوراق المالية من البنوك ويفضل في هذه المرحلة ان تكون عمليات الريبو لفترات اطول من يوم او اسبوع مثلا 3 اشهر او اكثر.
وخلال كتابتي لهذه المقالة والتي كنت ساقترح فيها الى ضرورة تخفيض اسعار الفائدة على ادواته الرئيسية، قام البنك المركزي بهذه الخطوة الهامة جدا بواقع 100 نقطة اساس على اسعار فائدة نافذة الخصم واعادة الشراء و75 نقطة اساس على نافذة الايداع. هذه الاجراءات ضرورية جدا على الادوات الرئيسية للبنك المركزي والتي عادة ما يكون تاثيرها قوي ومباشر خاصة في ظل ارتفاع هامش الفائدة بين الدينار والدولار والذي يجب أن يبقى هكذا خصوصاً في مثل هذه الظروف للحفاظ على جاذبية الدينار. وعلى الرغم من اهميتها، الا انها غير ملزمة للبنوك لذلك يجب ان يحث البنك المركزي البنوك على الاستجابة السريعة بتخفيض الفائدة على القروض الجديدة والودائع وكذلك تخفيض هامش الفائدة.
أما الاجراءات الأخرى فكانت أقل أهمية مثل تخفيض أسعار الفائدة على القطاعات الاقتصادية المدعومة ما بين 50-75 نقطة أساس لأن حجم التعامل بهذه الاداة يُعتبر منخفضا نسبياً، لذلك سيكون أثرها محدوداً، لكنها خطوة في الاتجاه السليم وهو اجراء تأشيري أكثر منه اجراء اساسي.
ترك البنك المركزي موضوع تأجيل أقساط البنوك واعادة جدولتها للبنوك بما يضمن سلامتها لكنه طالبها بعدم فرض فوائد أو عمولات على اعادة الجدولة لأن المرحلة القادمة من المتوقع ان تشهد حالات مرتفعة لعدم السداد أو التأخر في السداد. هذه المرحلة تتطلب أن تكون كل أدوات البنك المركزي متاحة ومستخدمة.
الأزمة لا يمكن حلها باجراءات نقدية على الرغم من أهميتها لأنها أكبر من أي بنك مركزي، هي أزمة دول، وحكومات، ومؤسسات وشركات وشعوب. هي مرحلة تتطلب تكاثف كل الجهود لكن على الحكومة الاردنية أن تستبق الأحداث وتكون فوق هذه الازمة وأن لا تتصرف بردة فعل.
تُشكر وزارة الصحة على ما فعلته لكن يجب على الحكومة أن تتخذ المزيد من الاجراءات في كافة الاتجاهات كما فعلت في الجوانب الصحية والتعليمية لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستبعث الأمل والاطمئنان في نفوس المواطنين والمؤسسات والاسواق المالية، وهذا واجب الحكومة لدافعي الضرائب.
الاجراءات الحكومية يجب أن تكون سريعة ومحددة الاهداف على مستوى التعليم والاقتصاد الكلي والتجارة الخارجية والأسواق المالية والانفاق والضرائب وادارة الدين العام.
وأنا لست بصدد تقديم اقتراحات فعلى الوزرات الاقتصادية (المالية والصناعة والتخطيط والعمل) أن تُبادر الى توحيد الجهود والخروج بخطة واضحة تتضمن اجراءات محددة لأنه وبخلاف ذلك ستتجه الاوضاع وللأسف الى حافة الهاوية.
نحن كمواطنين نعوّل على الحكومة للقيام بواجباتها تجاه شعبها ولغاية هذه اللحظة لم نسمع عن اي خطوة اقتصادية استباقية. ان على الحكومة ان تقود المرحلة لا ان تتصرف بردة فعل. واؤكد على ان الاجراءات النقدية مهمة وضرورية لكنها ليست كافية للتعامل مع الازمة، فالبنك المركزي اتخذ اجراءات سليمة وأنا متأكد من أنه سيتخذ المزيد من الاجراءات الاضافية خلال الايام القليلة القادمة لكن لابد من دور قيادي ابداعي للحكومة.
حتى في الولايات المتحدة، ومع قيام البنك المركزي باتخاذ اجراءات تيسيرية كما فعل في عام 2008 أبّان الازمة المالية العالمية، الا أن هذه الاجراءات النقدية لم تحل الازمة وظهرت أصوات مرتفعة تطالب بضرورة قيام الحكومة باتخاذ دور اساسي ومبادر.
لقد قام الفيدرال ريزرف بشراء سندات خزينة بكميات هائلة من خلال اتفاقيات اعادة الشراء بهدف ضخ السيولة خلال الاسبوع الماضي وتحسنت أسواق الاسهم لكن سرعان ما استأنفت تراجعها ليصل هذ التراجع الى 9.5% حسب مؤشر S&P 500 وهو أسوأ مستوى منذ الاثنين الأسود لعام 1987. وهذا دليل آخر على أن الاجراءات النقدية لا يمكن أن تكون كافية. ان قيام المتعاملين ببيع سندات الخزينة يُعتبر مؤشر خطير لأن هذه السندات منخفضة المخاطر فعلى الرغم من انها صادرة عن الحكومة لكن المستثمرين يريدون التخلص منها لانتشار حالة الذعر التي كنت قد أشرت لها في مقالي السابق https://www.sarayanews.com/index.php?page=article&id=599139 الاسبوع الماضي. الفيد تصرف بمستوى الاحداث حيث قام يوم امس بعقد اجتماع طاريء وخفض اسعار فائدته الى الصفر واعلن عن نيته شراء ما مقدارة 700 مليار دولار من سندات الخزينة وسندات الرهن العقاري وخفض نسبة الاحتياطي النقدي الى الصفر.
الاجراءات النقدية ضرورية وأهم ما فيها أنها توفر السيولة التي تصبح شحيحة في أوقات الأزمات بسبب زيادة الطلب عاى النقد للغايات الاستهلاكية وبخلاف ذلك ستتوقف دورة المال وستتفاقم الازمة. السيولة في مثل هذه الظروف تصبح عنوان المرحلة لانها تمثل اكسجين البنوك والاسواق المالية ولا يمكن للبنوك أن تتوقف عن توفير المال لعملائها لأن ذلك سيضاعف عمليات السحب والتي قد تقود الى افلاس المؤسسات المالية. البنك المركزي مستمر في معالجة هذا البند لدى البنوك على انني ارى ضرورة تفعيل عمليات الريبو وتخفيض نسبة الاحتياطي الى ما بين 3% او 2% لتوفير المزيد من الاموال للبنوك وسيبقى على الحكومة أن تحل مشكلة سيولة سوق عمان المالي ضمن حزمة اجراءات مالية واقتصادية متكاملة.
د. مروان الزعبي
خبير مالي ومصرفي

