أمن على قدم وساق..
الأربعاء-2020-02-26 10:21 am

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب ابراهيم عبدالمجيد القيسي
ندرة الأخبار عن جهاز الأمن الوطني الجديد قد تكون خبرا إيجابيا، فأجهزة الأمن الداخلية في كل البلدان والديمقراطية منها على وجه التحديد، تحظى بتأهب إعلامي حافل بالإثارة، حيث ما زالت النفس البشرية تنزع لنقد السلطة التي يمثلها رجال القانون، أما في الأردن فالمتابع المتوازن يدرك مدى دور الأمن وأهمية كل مديرية من مديرياته المندمجة حديثا..فكل مديرية من هذه المديريات أصبحت مسؤولة أكثر عن جزء من صورة الوجه الحضاري للمملكة، ثالوث متكامل يقع على كاهله عبء جميل، كنا وما زلنا نحترمه ونثمنه بل نبجله كمواطنين، فسيدة النعم في بلدنا هي نعمة الأمن الذي ينجزه رجال، حفظوا الوطن وحموه من عواصف الريح حتى من زمجرتها، فغلّ البيدر وكسبنا جميعا بيئة حضارية آمنة لا نقبل أو نسمح بتلويثها أو حتى تكدير مزاجها، لأنه مزاج وطن ومواطنين من بينهم عسكر قابلوا الجفاء والنكران بوفاء وولاء للتراب الطهور.
أمس قرأت خبرا له كل العلاقة بالسياسة وبالوفاء والولاء لهذا الوطن ولقياداته ولرجالاته، الذين أفنوا عمرهم جنودا بكامل الجهوزية، حتى بعد أن غادروا موقع الخدمة وتقاعدوا، فهم ما زالوا جنودا أوفياء نبلاء، من بينهم من قدم كل حياته ذودا عن بلاده وعن الناس، فارتقى فوق الجميع شهيدا، أو تعرض لإصابة سيحملها معه حتى يوم الموقف العظيم، وستكون شاهدا له وشفيعا بأنه ضحى بكل شيء إيمانا واحتسابا، فالذائد عن بلده وعن الناس هو في سبيل الله وليس أسمى من فعل يحمي الناس وممتلكاتهم وحقوقهم من الشر الموجود في نفوس كثيرين حتى وإن قُبِروا.
الخبر الذي وصلنا من الزميل عامر السرطاوي يتحدث عن مديرية جديدة تابعة لجهاز الأمن الوطني، تعنى بشؤون المتقاعدين من المديريات الثلاث (أمن عام، دفاع مدني، قوات درك)، يديرها ضابط عامل وليس متقاعد، لكنها تضم جميع المتقاعدين من المديريات المذكورة، وهذه خطوة إدارية – سياسية تقدم إضافة نوعية لخطوة الدمج الكبيرة، التي قامت بها الدولة الأردنية، حين جمعت هذه المديريات تحت مظلة إدارة واحدة ويتولى شأنها اللواء حسين الحواتمة، الذي هو الآن منغمس تماما في الدمج الكبير، ولعل قرار إنشاء مديرية للمتقاعدين يقدم لنا جانبا من صورة، تعبر عن ضخامة حجم فكرة الدمج والهيكلة في هذا الجهاز الأمني الوطني الكبير.
المتقاعدون العسكر هم السند الحقيقي للدولة، ويجب أن لا تنقطع أواصر العلاقة بينهم وبين أجهزتهم التي خدموا البلاد من خلالها، فهم لم يكونوا مجرد عمّال أو موظفي شركات ومؤسسات خاصة، هؤلاء رجال دفعوا عمرهم كله ضريبة للوطن وللمواطنين، وأسسوا كياناتهم وحيواتهم الاجتماعية بناء على فكرة الجندية، حتى علماء الاجتماع وطبقات المجتمع، لا يمكنهم تصنيف العسكريين كطبقة اجتماعية مستقلة، فهم ساق قوية لشجرة متجذرة بالمجتمع، ثقافة وسلوكا وأفكارا وخبرات، ومن منا يمكنه أن يتجاهل شخصية المتقاعد العسكري البارزة، فهو يتمتع بثقافة وطنية خاصة هي أغلى بل كل ما يملك، وهي التي بنى عليها بيته وعائلته الصغيرة، ولا يمكنه أن يخلعها بعد أن تقاعد..
جميعنا نستطيع تمييز الشخصيات العسكرية المتقاعدة، فهم حقا مميزون بالنقاء وبالثقافة الوطنية وبالهمّ الجمعي، ونادرا ما تجده يتحدث شخصنة أو فئوية أو تعنصرا حزبويا أو سياسيا، ديدنه خطاب وطني غارق بمعاني الجندية والفداء مهما حاول إخفاءه أمام السياسيين والعظماء الآخرين، الذين نسوا أو تناسوا بأن سر عظمتهم ونجاحهم إنما هو الجندي العسكري، فهو من حملهم على أكتافه، بل وفداهم بروحه وترك عائلته بلا معيل أيتاما أو محرومين.
فالأمن كان وسيبقى على قدم وساق وحمى الله البيت الأردني وأعمدته حتى الرواق.

